لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو الى متى ستستمر معاناة شعبنا وهو الذي يقدم "التضحيات المشهودة والنضالات المتواصلة"؟ والخطير هو "التعايش" (بأحد المعاني) مع هيستيريا الإجهاز على العديد من المكتسبات التي انتزعت بالكثير من الجهد (شهداء ومعتقلون سياسيون ومشردون...) والارتهان للإمبريالية ومؤسساتها المالية (قانون المالية لسنة 2020، المديونية الخارجية الخيالية...)، خاصة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، التي تمتص دمنا وتنهب بفظاعة خيراتنا البرية والبحرية والجوية! والخطير أيضا هو "التعايش" مع تواطؤ العديد من الهيئات السياسية والنقابية المحسوبة على الصف "التقدمي"، وهي هيئات متورطة حتى أخمص قدميها في تمرير الصفقات المشبوهة ومخططات النظام الطبقية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، حيت حماية المتورطين في الفساد وتسييد الامتيازات/الريع وتكريس الهشاشة والبؤس (الصحة والتعليم والتشغيل والسكن...)؛ وكأمثلة فقط (الثابت وقريب الثبات)، جرائم التقاعد والتعاقد وتدمير المدرسة والوظيفة العموميتين وقانون الإضراب وتجميد الأجور، بل إنهاكها/إضعافها أمام الزيادات الصاروخية في الأسعار..
بدون شك، هناك خلل ما.. ومادامت الجماهير الشعبية المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، حاضرة ولديها ما يكفي من الاستعداد النضالي وكما دائما، حيث يكفي الرجوع الى الانتفاضات الشعبية الخالدة منذ خمسينات القرن الماضي، فالخلل فينا نحن.. والمقصود ب"نحن" كل من يناضل من خندق الشعب المغربي المكافح، أفرادا أو تيارات سياسية أو قوى سياسية ونقابية وجمعوية.
لا يكفي أن تكتظ السجون بالمعتقلين السياسيين. فلم تعد السجون منبع الثوار.. وبالمناسبة، لنناضل ضمن أولوياتنا من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وبدون تمييز أو توظيف. فمن المخجل الاهتمام بمعتقل سياسي دون آخر... لنكن مبدئيين في التعاطي مع قضية الاعتقال السياسي كقضية طبقية..
لا يكفي أن تكتظ الساحات بالمتظاهرين. لقد صارت الوقفات والمسيرات، وحتى الإضرابات والإضرابات العامة، محطات بدون روح كفاحية..
لا يكفي أن نرفع الشعارات وأن نردد المواقف. لا يكفي أن نرغد وأن نزبد، فلم يعد ذلك يخيف أو يرعب النظام. إنه أدرى بعجزنا عن تنزيلها على أرض الواقع، أي ممارستها؛ كما أنه أعلم من خلال جواسيسه المندسة في صفوفنا بحقائقنا المرة (تفشي الانتهازية والوصولية...).
فمن جهة لأننا لم نرق الى مستوى تنظيم صفوفنا وصنع التحالفات المناضلة القادرة على تأطير الجماهير الشعبية المضطهدة، وخاصة الطبقة العاملة؛ وعلى قلب موازين القوى في خضم الصراع الطبقي، وهو التحدي الأول. ومن جهة أخرى لأن النظام يستهدف الحلقات الهشة في صفوفنا لكسر اتحادنا من خلال التشويش والافتراء والتضليل لإلهاء المناضلين وتأليب بعضهم على بعض، والأخطر من ذلك لاستقطاب القواعد وإغرائها وتجفيف الميدان لتصير نداءاتنا و"تنظيراتنا" صيحات في مهب الريح. إن النظام يصنع "الجنرالات" ويصنع "جنودها"، ويقطع الطريق على المناضلين الثوريين ويعمق عزلتهم ويحكم حصارهم..
لا يكفي الإعلان عن الائتلافات وتنظيم الندوات أو حتى الوقفات. لأن مكونات هذه الائتلافات فارغة، ولكل مكون أجندة وأهداف ليست بالضرورة ما يعلنه الائتلاف أو قواسم مشتركة لمكوناته. وتجد في صفوف الائتلاف الواحد "الشيء" ونقيضه. والأخطر الذي ينم عن الغموض (حتى لا أقول شيئا آخرا أكثر وضوحا، حيث تفسير الواضحات من المفضحات) هو انخراط ائتلاف في ائتلاف وبدون معنى غير المزيد من الغموض. أقصد "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان" عضو "الائتلاف الديمقراطي من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين وفك الحصار عن الريف"!
وننتظر "معجزة" مشروع الجبهة الاجتماعية (30 مكون حتى الآن).. إنها خلطة غير منسجمة محكومة بالهاجس العددي، ومن بين مكوناتها من يراهن من خلال هذه "الجبهة" العجيبة على توفير شروط خوض مباراة 2021 (مهزلة الانتخابات التشريعية)..
لا يكفي ولا يكفي.. والى متى؟ وطبعا، لا يكفي وجود النية الحسنة أو الطيبوبة (بمعنى السذاجة).. إن الصراع لا يرحم، فإما أن تكون أو لا تكون..
إن النظام يقوي ذاته ويدود عن مصالحه الطبقية من خلال برامج وآليات عمل مضبوطة وعلى كافة المستويات (الإعلام والتعليم والدين والأجهزة القمعية...)، الى جانب (طبعا) الأساليب القمعية المتنوعة، حسب الحاجة...
ومن يدعي القوة الآن، فإنه في نفس الآن يفضح نفسه.