في جلسة الأسئلة بمجلس المستشارين يوم 29 أكتوبر2019، كشف عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، عن أرقام صادمة عن وضعية المجازر . إذ قال إنه من أصل 800 مجزرة، هناك 8 فقط معتمدة !!
هذا الرقم يثير مجموعة من الملاحظات:
أولا: يظهر أن المغرب (رغم استقلاله عام 1956) فما زال لا يتوفر على إدارة محلية ومركزية مؤهلة، وإدارة حليمة ورؤوفة بالمال العام. إذ كيف يستسيغ المرء أن 99 في المائة من مجازرنا الحضرية والقروية لا تتوفر فيها المواصفات البيطرية والتقنية المطلوبة؟ لأن هذا الرقم يكشف أن برمجة المرافق وإنجازها لا تخضع لضوابط ولا لشبكة معايير بل لسياسة "كور واعط الأعور"، بدون رقيب ولا حسيب.
قد ينهض أحد ما، ويقول إن العديد من المجازر المعنية تهم جماعات قروية أو مراكز حضرية صغرى، وبالتالي لا ينبغي تهويل الأمر.
هذا الطرح واه ومردود، بحيث حتى على افتراض أن هذه المرافق هي بنيات صغيرة،فإن ذلك لا يشفع في إهدار المال العام من جهة، ولا يسمح بإنجاز مرافق بدون ماء أو مراحيض أو ثلاجات تحفظ اللحوم في ظروف آمنة وسليمة من جهة ثانية. إذ لو افترضنا جدلا أن أصغر مجزرة بجماعة قروية ستكلف 100 ألف درهم (نقول نفترض) فإن حجم ماضاع للمغاربة بسبب إهدار المال العام يصل إلى 80 مليون درهم، علما أن مجازر المدن الكبرى تلتهم الملايير دون مردودية. وحسبنا هنا الاستشهاد بمجازر الدار البيضاء التي كلف بناؤها 74 مليار سنتيم عبارة عن قرض من "بنك بلباو" الإسباني، ومازال البيضاويون يسددون اقساط هذا الدين بقيمة 6 ملايير سنتيم سنويا إلى عام 2029 ! والمثير أن هذه المجازر لا توفر سوى حوالي 20 في المائة من حاجيات الدار البيضاء من اللحوم، فيما الباقي من اللحوم توفره "مجازر سرية" بدرب الزاوية بدرب غلف وكاريان المزابيين بسيدي مسعود والبراهمة شرقاوة بالشلالات وأولاد جرار بدار بوعزة، فضلا عن "مجازر وهمية" موزعة على تراب بوسكورة وعين حرودة.
ثانيا: هناك جيش من المنتخبين يصل إلى 24 ألف مستشار يتولى تدبير 1503 جماعة حضرية وقروية بالمغرب، وهؤلاء المنتخبين ينتمون لأحزاب مفروض فيها (أي الأحزاب) أنها "تعيش" مع المواطنين في الأحياء والدروب والقرى، وترى بأم عينيها الحالة المهترئة للمجازر التي تسلخ وتحضر فيها اللحوم بشكل مقزز ويهدد الصحة العامة، ومع ذلك "تضرب الطم" ويتغاضى 24 ألف منتخب عن التدخل لتصحيح هذا الوضع المختل والدائم منذ زمن بعيد، رغم ما "يهرفه" الرؤساء ونوابهم بمكاتب الجماعات من ريع وتعويضات وسيارات ومحروقات منهكة للميزاية العامة.
ثالثا: الجماعات المحلية (من عمالات واقاليم وجماعات ترابية حضرية وقروية) تضم موارد بشرية ضخمة تصل إلى حوالي 160 ألف موظف يلتهمون ميزانية كبيرة جدا كأجور وتحملات اجتماعية. وتضم هذه الوحدات الترابية أقساما تقنية وإدارية، دورها هو الحرص على تدبير المرافق المحلية بما يضمن جودة الخدمة وسلامة المنتوج المقدم للمواطن. وبالتالي من حق المرء أن يتساءل ماهي القيمة المضافة من هذه الهياكل التنظيمية بالجماعات ومن هذه الإدارة إن لم يلمس تحسنا في المعيش اليومي؟
رابعا: هناك مديرية عامة للجماعات المحلية تابعة لوزارة الداخلية بمهندسيها ومتصرفيها وخبرائها ومواردها المالية الهائلة، دورها (مع مصالح وزارة المالية) هو السهر على أن تكون المرافق المبرمجة من طرف الجماعات تتوفر فيها الشروط المطلوبة ( تقنيا وهندسيا وماليا )، وهو ما يخلق بياضات كبرى حول سبب فشل هذه المديرية العامة في مصاحبة الجماعات وتأطيرها لكي لا تزيغ الأمور عن العتبة المقبولة عالميا.
فالأمر كان سيكون أهون لو أن 3 أو 5 في المائة من المجازر لا تستجيب لاي شرط صحي أو بيئي، لكن أن تكون 99 في المائة من المجازر في وضعية كارثية فهذا مثير للحيرة.
خامسا: بنك الجماعات المحلية (أي صندوق التجهيز الجماعي)، الذي يمول معظم مرافق الجماعات الترابية يوجد في مرمى النار. إذ على أي اساس منح القروض للجماعات (حضرية او قروية) لبناء" الكرنة"(أي مجزرة): ألا يتوفر هذا البنك على شبكة مرجعية ليفحص هل المجازر المراد بناؤها تتوفر على واد حار وعلى شبكة الماء وعلى ثلاجة وكهرباء الخ...أم أن المال "السايب" يوزع بدون ضوابط على الجماعات؟