والواقع أن شهادة القيادي الأصولي أمكراز لم تكن مفاجئة بقدر ما تعد تحصيل حاصل من كون النخب الحزبية المعينة في مناصب المسؤولية العمومية «لاهي في العير ولافي النفير».
فالحزب، أي حزب بالعالم، شرط وجوده هو الوصول إلى السلطة لتنفيذ تصوراته والسهر على أجرأة برنامجه، وهو لهذا الغرض يعبئ المجتمع حول محاور البرنامج، وأيضا (وهذا هو الأساسي) يعبئ المجتمع حول المسؤولين الحزبيين الذين يرى فيهم الأهلية والقدرة على تولي هذه الحقيبة أو تلك.
نعم، ليس مطلوبا من الحزبي المعين وزيرا (أو رئيس جهة أو عمدة) أن يكون تقنيا ملما بكافة حيثيات القطاع الموكول له (ولو أن هذا أمر محمود)، بحكم أن القائد الحزبي يفترض فيه أن يعبئ الطاقات بالوزارة المسندة إليه ويوحد الكفاءات والخبرات لتسخيرها لخدمة التصور المعتمد في البرنامج الحكومي. وهذه التعبئة تفترض أن يكون هناك انخراط مسبق للقيادات الحزبية في النقاش العمومي المرتبط بهذا القطب أو ذاك من أقطاب التدبير العمومي، حتى إذا دقت ساعة الانتخابات وتوزيع المسؤوليات، يكون التوزيع محترما للأخلاق ومحترما لذكاء المجتمع وللتعاقدات السابقة التي تمت بين الحزب والرأي العام. مثلما هو الشأن في الدول المتمدنة التي لا يصعق فيها المواطن بتعيينات غرائبية للوزراء أو كبار المسؤولين، على اعتبار أن المراقبين هناك يكونون على بينة من أن فلانا يشتغل في القطب الاجتماعي وزميله في الحزب يتكلف بالقطب الاقتصادي وثالث يتمحور اهتمامه حول القطب الرياضي، ورابع يتولى تدبير القطب الأمني وخامس يمسك بملف التعليم وهكذا دواليك. بمعنى أن الولوج للمنصب الحكومي في الدول الديمقراطية لا يندرج في سياق توزيع «غنائم الحرب» على الحواريين والمقربين من الزعيم الحزبي أو على المدللين من طرف الأمانة العامة أو المكتب السياسي للحزب أو على المهرولين وراء الزعيم أو «المسخنين للطعارج» لرئيس الحزب، بل هناك كناش تحملات وضوابط وبروفيلات معينة، كل بروفيل يتناغم مع حقل اهتماماته وانخراطه في حمل روح المشروع الحزبي في القطاع المذكور والدفاع عن هذا التصور في مواجهة الغير (حلفاء أو معارضة أو شركاء أجانب من منظمات حكومية أو غير حكومية).
في بلدنا السعيد، ورغم اعتماد دستور 2011، يبدو أن حظ المغاربة في التوفر على نخب حزبية من عيار ثقيل مازال بعيد المآل، مادام المرء ينادى عليه ليدخل للحكومة ولو من «بار كان يضرب فيه الطاسة» أو من «زاوية كان يردد فيها الأوراد!».