مصطفى العراقي: التشخيص هاهوا ... والعلاج فيناهوا

مصطفى العراقي: التشخيص هاهوا ... والعلاج فيناهوا مصطفى العراقي

رسم تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي تم نشره قبل أسبوع صورة لجسد مغرب مثقلة بسوء التدبير والتبذير والفساد الإداري وعجز الاستراتيجيات عن تحقيق أهدافها المرحلية وفشل السياسات العمومية في إنجاز ما وعدت به سواء في البرامج الحكومية أو القطاعية أو المؤسساتية...وقدم التقرير نماذج صارخة عن معاناة هذا الجسد وكيف حوله من أنيط بهم تدبير الشأن العام إلى مجال لمصالحهم الخاصة وإثرائهم اللامشروع.

الصورة التي تضمنها التقرير ليست جديدة ولا مفاجئة. إنها تأكيد لأوضاع يعرفها المغرب من سنوات ويعاني منها شعبه ومجتمعه واقتصاده وقضاءه وإدارته وصحته وتعليمه وفقد سبقت مؤسسات دستورية ودولية في تقديم تشخيص أكثر وضوح. فجلالة الملك خصص خطبا عدة لهذه الحالة واعتبر جلالته أن " من بين المشاكل التي تعيق تقدم المغرب، هو ضعف الإدارة العمومية، سواء من حيث الحكامة، أو مستوى النجاعة أو جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين ".وأن " المرافق والإدارات العمومية تعاني من عدة نقائص تتعلق بالضعف في الأداء وفي جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين، وقال إنها "تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين...".

وحتى الحقل الحزبي الذي أصبح يعج بأمراض الانتهازية والبحث عن الريع والمواقع " هناك تفضيل أغلب الفاعلين ( بهذا الحقل ) لمنطق الربح والخسارة، للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع".

أما تقارير المؤسسات الدولية  فتفيض بوقائع وأرقام تجعل من صورة المغرب الاجتماعية والاقتصادية  والحقوقية مجللة بسواد قاتم ويكفي هنا أن نشير إلى المراتب المتدينة لأوضاع المغرب من بين دول المعمور.

اليوم هناك تخمة في التشخيص . لقد امتلأت رفوف المؤسسات الدستورية بالتحاليل المختبريةوخلاصات الكشف بالسكانير وكلها تؤكد أن المغرب مصاب بأمراض تزداد استفحالا حكومة بعد حكومة وانتخابات بعد انتخابات وخطاب بعد خطاب ..وتفتيش بعد تفتيش...

اليوم وأمام هذا الوضع لم يتم بعد تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة إلا في حالات جد ناذرة مست إعفاء  وزراء ومسؤولين إداريين .ولم تجد تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولا المفتشيات العامة وغيرها ، لم تجد طريقها للقضاء ولم يتم التعامل معها بجدية ومسؤولية..

اليوم المغرب بحاجة إلى عمليات جراحية جريئة من جهة لمعالجة أمراضه ومن جهة ثانية لإزالة أورامه التي يعج بها جسده الإداري والسياسي...المغرب بحاجة مستعجلة لإصلاحات عميقة لأزماته. أما المزيد من التشخيص والتقارير فليس إلا هروبا للأمام  والمخاطرة بمصير الوطن.