لا يجهل أحد أن منظومة الصحة بالمغرب تشكو الكثير من «الرّضوض» التي لم تنفع معها لا «بيتادين» ولا «الدوا لحمر» ولا «السحر الأزرق» ولا حبة حلاوة». هناك تراجع كبير على مستوى الخدمات الصحية، وترهّل المستشفيات الجامعية والعمومية، وسوء توزيع الخريطة الصحية، وسياسة حكومية تنظر بعدوانية إلى القطاع الخاص كعدو وليس كشريك. بدليل أن الوزراء الذين تعاقبوا على حقيبة الصحة وجدوا أنفسهم يحملون حقيبة «مفخخة»، لذا لم يسلم أي وزير من «المساءلة»، ويحاكم على «تركة ثقيلة» ورثها عن وزراء سابقين أشهروا قبله إفلاسهم وفشلهم الذريع في تمكين المغاربة من «السميك الصحي».
هو «إرث» من الفساد والتدبير الفاشل لقطاع يتعامل مع «أرواح» المغاربة بمنطق الاحتقاروالتجاهل، ينتقل من حكومة إلى أخرى، و»عدوى» تستشري بين وزراء الصحة.
فمن يحمل وزر كل هذه «المطبّات»؟
ليس الطبيب من أصبحت تشير إليه اليوم «أصابع الاتّهام».
ليس الممرض الذي وجد نفسه أعزل في سبيطار «بلا داو وبلا حقن».
ليس المريض الذي وجد نفسه بين «مطرقة» رداءة الخدمات الصحية بالقطاع العام و«سندان» ارتفاع فاتورة العلاج بالقطاع الخاص وتواطؤ شركات التأمين والتعاضديات التي تنهش جيوب الموظفين والمستخدمين بدون خدمة فعالة وتغطية صحية معقولة، لأن حكومة الريع وبرلمان «البزولة» باختصار قدما استقالتيهما مبكرا وقدّما المواطنين كقرابين لـ «مافيا» التأمين الصحي.
نعم، هناك أطباء فاسدون (مثلما هناك فاسدون في كل المهن وفي كل الحرف)..
نعم، هناك ممارسات مشينة يقوم بها هذا الطبيب أو ذاك، وتقع هذه الممارسة بهذه المصحة او ذاك المستشفى، لكن ذلك لا ينهض للطعن في شرف الأطباء والممرضين والعاملين بالقطاع الصحي ككل (في القطاع العام او الخاص)، وكأن كل من يرتدي وزرة بيضاء بالمغرب هو ذئب على أهبة افتراس المريض.
لا مجال للحديث عن دولة حقوق الإنسان، وهي فشلت في ضمان الحقّ في الصحة، والحق في تغطية صحية شاملة، والحق في «الحياة».
من هنا، فأيّ حديث عن «خيانة الأطباء» هو ضرب «تحت الحزام» لأطباء غير مسؤولين عن «هشاشة» القطاع الصحي وغير مسؤولين عن جرائم الحكومة والبرلمان الذين ينهشون المال العام لتسمين امتيازاتهم بدل الانكباب على تجويد عيش المغاربة وتأمين حقهم في العلاج الآدمي والإنساني.
نقطة الانطلاقة كانت «خاطئة» لمحاكمة الأطباء عن منظومة اخترقها الفساد، بدليل الأعداد الكبيرة من الأطباء المغاربة الذي ركبوا «قوارب النجاة» إلى «الفردوس» الأوروبي.. «قوارب الموت» هي التي يركبها الأطباء الذين فضّلوا التعايش مع «الفساد» واختلال موازين الصحة لإنقاذ «أرواح» المغاربة.
ربما مسؤوليتنا أن «نعرّي» الحقيقة وليس أن «نغطّي» الحقيقة. ربما ألاّ نسقط في مغبّة «تجهيل» المواطنين، وتقديم «رقية شرعية» في الهواء كيف تصبح «طبيبا» من دون دراسة علم الطب؟ كيف تقود المرضى إلى «عيادة الأنترنيت» بدل عيادة الأطباء «الخونة»!!