لنعد الآن لموضوع اللغة والمجانية، والتي لا يمكن الفصل بينهما لارتباطهما الجدلي، والذي ينطلق من المساواة بين جميع أبناء المغاربة في تعليم عمومي واستقلال القرار السياسي والاقتصادي للبلاد. حيث أن السياسة المنتهجة في التعليم لا تخرج عن الاختيارات اللاديمقراطية واللاشعبية في مختلف المجالات والمبنية على تكريس الفوارق الاجتماعية، والمؤدية لإغناء الغني وإفقار الفقير.
ولن يحتاج المرء إلى جهد كبير، لينكشف أمامه زيف كل الشعارات البراقة الهادفة إلى تمرير هذا القانون التخريبي، ففرنسة هذه المواد لن يفتاح المجال أمام بنات وأبناء جماهير شعبنا للولوج إلى سوق الشغل والترقي الاجتماعي، في ظل انتشار الفساد الاقتصادي والزبونية والمحسوبية والرشوة، ليبقى السؤال مطروحا حول الهدف المخفي وراء إثارة هذه النقطة، والذي لن يكون غير استدامة التبعية لمراكز القرار العالمية وعلى رأسها الاستعمار الفرنسي الذي خرج من الباب ودخل من النافذة.
ان أية دولة لا يمكنها أن تتقدم إلا في ظل استقلال قرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتطوير البحث العلمي، والذي تلعب فيه اللغات الأم دورا رئيسيا، أما الحديث عن ضعف اللغة العربية وعدم مواكبتها للتطورات العلمية فهو حديث مغلوط، لأن (عدم المواكبة هاته) مبنية على غياب بحث علمي في دولنا، والذي من خلاله تتطور اللغة، ومعها تتطور هذه البلدان اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
أما كون أن أغلب الإدارات المغربية والشركات الصناعية تستعمل اللغة الفرنسية في تعاملها، ومحاولة طرح ذلك كمبرر للفرنسة، فهو عذر أقبح من زلة، لأن المعركة الحقيقية هي فرض اللغات الرسمية للدولة على كل التعاملات بالمغرب.
أما فيما يخص اللغات الأجنبية، فيجب تدريسها لكل المغاربة عوض التدريس بها، بما يضمن إتقانها إتقانا جيدا، وبالتالي ستسقط معها كل الشعارات المزيفة التي يتم استعمالها كمسوغات لتبرير استمرار رهن القرار الوطني للخارج، فلا يمكننا اليوم أن نتحدث عن تدريس بلغة ما دون أن يكون المتعلم متقنا لها…
أما مواكبة اللغة العربية للتطورات العلمية، وفي ظل غياب بحث علمي على المستوى الوطني، فإنشاء مؤسسة وطنية لتتبع ذلك، يكون بمقدورها تنقيح القاموس العلمي، وتحديث المناهج الدراسية للمواد العلمية لا يحتاج إلا للإرادة السياسية.
لقد أصبحوا يتقنون قلب المفاهيم بغية تمرير مخططاتهم التصفوية، ويجب أن نكون على وعي بما يحاك ضد مستقبل بنات وأبناء شعب…
ربما قد يمر القانون الإطار اليوم، لكن المعركة يجب أن تستمر من أجل تعليم شعبي، ديمقراطي، مجاني، علمي وموحد، والذي لا يجب أن يخرج عن المبادئ الأربعة.