"سكت دهرا ونطق كفرا".
هذا ما ينطبق على عثمان فردوس، الوزير الذي لم نسمع له «حسا أو همسا» منذ تشكيل حكومة العثماني، مثله مثل عدد كبير من الوزراء الذين يتمرغون في الريع دون أن يكون لحضورهم قيمة مضافة في تجويد حياة المغاربة.
الوزير فردوس، الذي تم إسقاطه بمظلة قوية ومنحت له حقيبة الاستثمار (!) طالب العاطلين المغاربة بالصبر والانتظار إلى أن يتم حل معضلة الحدود مع الجزائر، إذ في نظر الوزير المدلل «فالمشكل الرئيسي لمعضلة الحدود هو ما يعانيه شباب المغرب من بطالة». وكأن لسان حاله يقول للشباب المغاربة: "سير ضيم".
ما نسيه الوزير فردوس، الذي لم يسمع عنه المغاربة أي شيء منذ تشكيل الحكومة بتاريخ 5 أبريل 2017، أن الثابت في علاقة المغرب والجزائر هو إغلاق الحدود: فمن عام 1962 إلى 2019 نجد أن الحدود لم تفتح بين البلدين سوى في ثلاثة أقواس قصيرة. القوس الأول: الحدود كانت مفتوحة بين عامي 1962 و1963 ثم أغلقت بعد اندلاع حرب الرمال. والقوس الثاني: بين 1969 و1973 ثم أغلقت بعد اندلاع أحداث مولاي بوعزة وتورط الجزائر في تمويل المسلحين، ثم تلاه انفراج خاطف عام 1974 على هامش انعقاد القمة العربية، لكن سرعان ما أغلقت الحدود بعد تورط الجزائر في خلق البوليساريو وتمويل الحرب منذ عام 1975 ضد المغرب بعد استرجاع الصحراء. وهو الإغلاق الذي دام إلى عام 1989 تاريخ لقاء المرحوم الحسن الثاني مع الرئيس الشاذلي بنجديد (وهذا هو القوس الثالث)، حيث اتفقا الزعيمان معا على فتح الحدود، لكن سرعان ما أعيد إغلاقها عام 1994 بعد تورط الجزائر في الأحداث الإرهابية بفندق أطلس أسني بمراكش، ومنذ ذاك التاريخ والحدود مغلقة بين البلدين.
ما معنى هذا؟
معناه أنه طوال تاريخ العلاقة بين البلدين (57 سنة) لم تفتح الحدود إلا 11 سنة، أي بالكاد 19 في المائة من مجموع الميزانية الزمنية في تاريخ المغرب والجزائر.
عثمان الفردوس، الوزير المكلف بحقيبة الاستثمار المفروض فيه أن يجلب المستثمرين (مغاربة وأجانب) لخلق الـثـروة وتشغيل اليد العاملة المغربية، اختار الهروب إلى الأمام وعلق مشكل البطالة على الحدود.
فها هي كوريا الجنوبية التي لم تغلق حدودها مع «جارتها الشمالية» فحسب، بل وتم اقتطاع نصف ترابها لخلق «كوريا الشمالية»، ومع ذلك لم تعلق كوريا الجنوبية إخفاقاتها على معضلة الحدود المغلقة مع كوريا الشمالية، بل طورت منظومة استثمار هائلة مكنتها اليوم من أن تصبح قوة اقتصادية عالمية مهابة الجانب.
الكذبة الثانية للوزير فردوس لتنويم العاطلين، قوله أن البطالة بالجهة الشرقية للمملكة سيتم تطويقها بحلول 2021، بعد فتح ميناء الناظور كما ادعى في لقائه بفعاليات وجدة يوم 1 مارس 2019. وهذا أيضا تكرار لشعار: "سير ضيم".
لماذا؟
لأن المغاربة لهم سوابق مع كذب المسؤولين الحكوميين، بالنظر إلى أن ميناء الناظور انطلقت الدراسات بشأنه عام 2009، وفي سنة 2010 تم الإعلان عن طلب العروض لإنجاز المشروع. وشاركت في الصفقة آنذاك 43 مقاولة دولية. وبما أن الوكالة الوطنية للموانئ ارتكبت (كعادتها) أخطاء قاتلة في تصميم المشروع الخاص بميناء الناظور، تم إلغاء طلب العروض وتأجل إلى حين تدارك الأخطاء. وبعد إعادة الدراسة تم التوقيع على الاتفاقيات الخاصة بإنجاز ميناء الناظور أمام الملك يوم 4 دجنبر 2012 على أساس أن يفتح الميناء عام 2015، دون احترام الآجال، وقدم تاريخ آخر لفتح الميناء عام 2017 دون أن تفي الحكومة بالتزاماتها. فكيف لنا أن نثق مجددا في تصريح وزير في حكومة لم تحترف إلا الكذب على الرأي العام.
إن أحسن دواء لمواجهة البطالة ببلادنا هو التشطيب على المسؤولين من طينة عثمان فردوس ومن معه. ولنا في إيرلندا أحسن مثال، إذ بعدد قليل من الوزراء وبمسؤولين لهم «الكبدة على البلاد»، استطاعت إيرلندا أن تخفض البطالة إلى أقصى عتبة في ظرف زمني جد قصير، بل وتحولت إيرلندا اليوم إلى كعبة المستثمرين والأدمغة المهاجرة من كل دول أوروبا بحثا عن عمل أفضل وعن فرص أسعد.