رغم اقتطاع أزيد من 60 مليار سنتيم سنويا من جيوب البيضاويين كل سنة بدعوى جمع الأزبال، فإن الواقع يبرز أن المنتخبين -وعلى رأسهم العمدة عبد العزيز العماري- يتلذذون بحشر سكان الدار البيضاء في زاوية ضيقة لتعذيبهم بالمشاهد النتنة للأزبال المتراكمة بالشوارع والساحات العامة مع ما يسببه هذا الوضع من أمراض خطيرة تفتك بصحة المواطنين، فضلا عن التلوث البصري البشع والمقزز.
فمنذ حوالي سنة ومجلس مدينة البيضاء "يجرجر" المواطنين في تدبير ملف النفايات (جمعا وطمرا)، بشكل أظهر أن وجود البيجيدي في مكتب مجلس البلدية ومشاركته في التسيير منذ عام 2003 لم يكن ذا قيمة مضافة في الإلمام بالملفات أو تراكم في الخبرة. بدليل أن العمدة العماري، ما أن تسلم زمام الدار البيضاء عام 2015 حتى اكتشف الرأي العام جهله الفظيع بأبجديات التدبير وغياب الاستشراف والتوقع، فغرقت المدينة في أوحال الارتجال، مما انعكس على تدبير المرافق العامة. وهكذا لاحظ المواطنون تردي مرفق النقل الحضري واندحار مرفق الأزبال وتعطل المشاريع والتبذير في صرف المال العام على حساب الصالح العام؛ فعادت الدار البيضاء إلى عهد ما قبل خطاب أكتوبر 2013 الذي نعى فيه الملك محمد السادس التسيير الجماعي للعاصمة الاقتصادية كأوسخ مدينة مغربية!
وإذا كان طبيعيا أن تتدهور وضعية الدار البيضاء أكثر في عهد البيجيدي، فإن غير الطبيعي هو أن تبقى سلطة الوصاية عاجزة، بل ومتواطئة على هذا "الاغتيال" الذي تتعرض له أكبر مدينة بالمغرب وتتفرج على قتل المواطنين بغاز "الليكسيفيا" المنبعث من الأزبال المتراكمة بالأحياء والشوارع.
ففي التجارب المقارنة لما يحدث التقاعس من طرف السلطة المدنية تتحرك قيادة الجيش بسرعة لتطويق المشكل الكبير حتى لا تنهار الدولة، وحتى يحس المواطن أن هناك عينا تحرص مصالحه ومؤتمنة على أمنه العام.
خذوا نموذج بريطانيا: ألم يتدخل الجيش البريطاني في دجنبر 2010 لإنقاذ قلب بريطانيا من التوقف، بعد أن تقاعست شركة BAA (الشركة التي تتولى تسيير مطار هيثرو بلندن) وعجزت عن تأمين السير العادي للمطار، مما أدى إلى تعطيل رحلات الآلاف من المواطنين؟ ألم تستنجد حكومة بريطانيا بالجيش في مارس 2018 لطلب تدخله بعد أن فشلت المصالح المدنية في اتخاذ الاحتياطات المطلوبة لمواجهة الثلوج في ليفربول وتعطل حركة المرور في الشريط الجنوبي الغربي للبلاد؟
لنذهب إلى إيطاليا: ألم تلجأ الحكومة في يناير 2018 إلى الجيش لإنقاذ مدينة نابل(NAPLES) من تراكم الأزبال في شوارعها بعد أن تعطل مرفق جمع النفايات بسبب صراعات المافيا(LA CAMORRA) مع النخبة السياسية بالمدينة؟ بل ألم يستعن رومانو برودي (رئيس وزراء إيطاليا عام 2008) بالقوات العسكرية لاسترجاع هيبة الدولة الإيطالية التي مرغتها المافيا في مدن الجنوب بإفساد المرافق المحلية وتفويت الصفقات للأقرباء وتبذير ضرائب المواطنين دون أن يحظوا بخدمة بلدية دنيا؟
دعونا نغير الوجهة لبلد عربي في شخص لبنان: هل نسينا قرار الحكومة اللبنانية في يوليوز 2015 القاضي بدعوة الجيش للخروج من ثكناته لإنقاذ سكان بيروت وضواحيها من معضلة النفايات التي تجمعت بالشوارع بعد أن اشتد الحبل بين المنتخبين وشركة سولكين، التي تتولى تدبير الأزبال عقب إغلاق مطرح الأزبال من طرف بلدية برج حمود؟
إذا كانت هذه الأمم الغربية والعربية تسخر الجيش لحماية مواطنيها وتزرع فيهم الإحساس بالأمن وتنتصب لضمان حسن سير المرفق العام في حالة إخلال المنتخبين أو الإدارة الترابية والمعينة والشركات المفوض لها بمهامها، فلماذا لا يتمتع المواطن البيضاوي (والمغربي بشكل عام) بهذا الحق: أي الحق في الاحتماء بالجيش ضد فساد المنتخبين وفشل سلطة الوصاية وكسل شركات التنمية؟ لماذا لا تخرج القوات المسلحة الملكية من ثكناتها لتعيد الأمل للمواطنين وتعيد لهم الإيمان بأن للمغرب رب يحميه من تغول الفاسدين و"الملهوطين" والوصوليين والأفاقين والمنافقين والجاثمين على صدر المدن يلهفون ريع المال العام ويرفضون حتى التدخل للتعجيل بحل ملف جمع الأزبال؟!