مدننا بين "الكبدة" و"الهمزة" !

مدننا بين "الكبدة" و"الهمزة" ! عبد الرحيم أريري

في عام 1960 كانت الشبكة الحضرية بالمغرب تضم 112 مركزا حضريا منها ثمانية فقط كانت توصف بأنها مدن كبرى (تضم أكثر من 100 ألف نسمة لكل مدينة).

وبعد 44 سنة سيعرف هذا الرقم ارتفاعا صاروخيا ليصبح 351 مدينة عام 2004 أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه عقب الاستقلال.

وتميز هذا الانتقال الديمغرافي بمصاحبة بروز مدن متعددة الأحجام. وهكذا رأينا المدن الكبرى يتضاعف عددها ثلاث مرات وتلك التي يتراوح عدد سكانها بين 20 ألف و50 ألف نسمة يتضاعف خمس مرات، أما تلك التي يتراوح سكانها بين 50 ألف و100 ألف نسمة فتضاعف تسع مرات، في حين قفز عدد المراكز الحضرية الصغرى من 89 إلى 237 مركزا بين عامي 60 و2004.

ما معنى هذا؟

معناه أن المغرب يعرف توافر 450 ألف نسمة كل سنة على الوسط الحضري، أي ما يمثل غزوا يعادل حجم سكان مدينة مكناس كل سنة، مع ما يترتب عن ذلك من وجوب تهيئة شروط الاستقبال من سكن وطرق ونظافة ومرافق دنيا عمومية إلخ...

وحينما نستحضر مضمون السجال  السياسي العمومي حاليا، نجد هذه القضايا الجوهرية مغيبة من النقاش علما أن هذه الإشكاليات تهم روح الديمقراطية المحلية ومدى قدرة المدن ومجالسها على مواجهة هذه التحديات. إذ بدون اختصاصات واضحة وتمويلات كافية واختصاصات ضريبية مسندة للمجالس المحلية سيكون من الصعب تلبية الطلب الجديد على «التمدن». وهي المهمة التي تزداد صعوبة إذا علمنا أن الآليات التقنية المتدخلة في المجال الحضري ليست بيد المدن بل تحتكرها الدولة ـ في شخص الإدارات المركزية ـ التي ترفض التنازل عن هذا الامتياز.

فآلية محاربة السكن العشوائى أو آليات إنجاز الوحدات السكنية ليست بيد المدن بل بيد وزارة السكن والداخلية وبيد «سي.دي.جي»، وآليات إعداد البنيات التحتية من ماء وكهرباء بيد المكتب الوطني للماء الشروب والكهرباء والوكالات الخاضعة للداخلية. وآليات ربط التجمعات بوسائل النقل العمومي (طرقي أو سككي) بيد وزارة التجهيز والمكتب الوطني للسكك الحديدية أو شركات التنمية المحلية، وآليات التدخل لتهيئة السواحل الحضرية تخضع لسلطة الملك العمومي البحري التابع لوزارة التجهيز وشركات التنمية المحلية . وآليات تضريب الأنشطة (نسبة إلى الضريبة) بيد مديرية الضرائب بوزارة المالية وآليات الشرطة الإدارية (من زجر وضبط) بيد السلطة المحلية والأمن الوطني أو الدرك الملكي (حسب حالة كل منطقة). وآليات تعليم القرب لإنجاز المدارس والإعداديات بيد أكاديميات وزارة التربية الوطنية إلخ...

بمعنى أن الجهاز الذي أوكل إليه المشرع استقبال 450 ألف وافد على المجال الحضري لم يمنحه أي اختصاص أو سلطة مهمة (أي مجالس المدن) بل وجرده من الآليات التقنية. في حين فوض الاختصاص لأجهزة وإدارات لا «كبدة» لها على المدن ، بل وأعفى المشرع مسؤولي هذه الإدارات والشركات من المساءلة من طرف المواطن الذي يستدعى للانتخاب .

يا للمفارقة !