يعرف الوضع السياسي، هيمنة التّشتّت السياسي، يجعل من الصّعب رصده أو توقع مآلاته، مشهد سياسي سريالي، يفتقد الجدّيّة في أغلبه والعمق، يسوده الكثير من التخفّي والمواربة، ومستوى عال من الغموض السياسي، بدون أي رهان ولا مدلول سياسي.
1- طغيان الانقسام السياسي
السمة الغالبة هي ممارسة كل طرف سياسي، التكتيك بدون استراتيجية واضحة، فالأغلبية مقسمة إلى تكتلين. تكتل العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية يقابله تكتل رباعي: التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الدستوري، الحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي.
معارضة بدورها مقسمة، الاصالة والمعاصرة تعارض جزءا من الأغلبية ممثلة في العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال في معارضة اخنوش الذي حال بينهم وبين الدخول للحكومة.
سداسي الأغلبية المتصارعة، والتي لا تتوقف عن كيل الاتهامات لبعضها البعض، يطغى عليها جو الشك والريبة. وتقاذف المسؤولية السياسية بشكل قابل للانفجار مع أي هزة اجتماعية.
رئيس حكومة، اتخذ من الإنكار أسلوبا سياسيا، في مجاراة لحزبه الذي اتخذ من الانتهازية السياسية تكتيكا يمكنه، من الوقوف بين المنزلتين، عبر تقاسم الأدوار، جناح مؤيد وجناح معارض.
مسار مكن العدالة والتنمية من الاستفادة من الغنائم الحكومية، وفي نفس الوقت التملص من تحملهم المسؤولية السياسية، وتوفير للجناح الحكومي مساحة واسعة للمناورة السياسية التي تخوله القفز من المركب الحكومي عند أي حالة فشل تدبيري. كما تمكنه من جعل التداول الحكومي بين الجناحين عوض أن يكون البديل خارج العدالة والتنمية.
وهذا ما يفسر ارتفاع منسوب التصادم في كل الاستحقاقات الانتخابية، وكل حادث يفرز تقصيرا في القطاعات الوزارية، حين تشتد المنافسة، وتبدأ الخلافات، يتكلف جناح بنكيران بإطلاق قذائفه المباشرة صوب حزب التجمع الوطني للأحرار وباقي الرباعي الحكومي، ويتم تصوريه كتباين في تقدير المواقف المتضاربة من حكومة العثماني.
2- انتخاب رئيس مجلس المستشارين محك للأغلبية الحكومية
ترشيح رئاسة مجلس النواب، سيرخي بظلاله على المشهد السياسي المغربي، هل ستدفع الأغلبية بمرشحها، أم أنها ستنقسم فيما بينها في دعم مرشحا المعارضة، تجاه العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية سيدعم مرشح حزب الاستقلال، وباقي الرباعي الحكومي سيدعم ولاية ثانية للرئيس الحالي حكيم بنشماس، الأمين العام للأصالة والمعاصرة.
كما أن هذا المنصب سيؤثر بدوره على تنسيق احزاب المعارضة بين الاستقلال والأصالة والمعاصرة، في حالة التوافق على تقدم مرشح واحد يعني التحالف بين الحزبين، لمعارضة الحكومة وفي حالة التنافس سيفرز لنا معارضتين للحكومة.
معارضة حزب الاستقلال لوزراء الرباعي الحكومي، وتنسيق وتأييد وزراء العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية.. نفس الشيء بالنسبة للأصالة والمعاصرة: تأييد وزراء الرباعي الحزبي ومعارضة رئيس الحكومة ووزراء العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية.
والأكيد أن المشاورات حول اسم المرشّح لرئاسة المجلس سيكون لها تأثير على الأغلبية الحكومية والمعارضة.
تقدم حزب الاستقلال بمرشح ورغبة الأصالة والمعاصرة في ولاية ثانية على رأس مجلس المستشارين، لاشك ستخلف تداعيات وتحدد الخيارات السياسية، وتوضح مدى قدرة العثماني على حماية أغلبيته الحكومية ودعوته أطراف التحالف الحكومي لتوضيح موقفهم بشأن الانتخابات الرئاسية للغرفة الثانية .
وهكذا فإن انتخاب رئيس مجلس المستشارين، سيكون محطة حاسمة لمدى صلابة التحالف الحكومي، ويمكن أن تؤدي إلى تفكيك المشهد وإعادة تشكيله من جديد، سيكون الجميع في مرمى الجميع، في تنافس شديد بعد إعلان الترشيحات، تشكل ثلاث جبهات: الجبهة الأولى ستظهر خلال الجولة الأولى، والثانية خلال الجولة الثانية من الترشيح.
ستدعو إلى ترسيخ ممثل الأغلبية، مقابل مرشح المعارضة، الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، في الجولة الثانية ستنقسم الأغلبية إلى معسكرين: معسكر يضم العدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية الداعم لمرشح حزب الاستقلال، ومعسكر الرباعي: الأحرار، الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري.. وهو الرباعي الداعم لحزب الأصالة والمعاصرة، و هوما سيوضح التضارب الحكومي.
الغريب في الأمر هو أن هذا التباين سيدعي تمسكه بالأغلبية الحكومية والبقاء في الحكومة، بما يظهر الصراع داخل الأحزاب الحكومية وانقسام المعارضة وإيحاء لوجود صراع داخل الحزب الأول، وسط تسريبات متواترة وإيحاءات بوجود صراع بين جناح بنكيران وجناح العثماني، وقرب انتهاء صلاحية حكومة العثماني.
وخروج الخلاف بين الجناحين إلى العلن بوضوح، وبذلك تشكل الحكومة المغربية والأغلبية الحالية، بدعة سياسية لم يعرف لها مثيل في التجارب الدولية.
- رشيد لزرق خبير في الشؤون البرلمانية والحزبية