تناسلت مؤخرا تقارير رسمية تلتقي كلها حول محور واحد: ألا وهو أن المغرب في السنوات العشرين الأخيرة لم يحسن تدبير توزيع الثروة، بل لم ينتج أصلا أي ثروة، فضلا عن تأكيد التقارير الرسمية بأن الحكومات المتعاقبة فشلت في تجويد عيش المواطنين وتحقيق الرفاهية للأغلبية الساحقة.
المفارقة أن هذه التقارير الصادرة عن مندوبية التخطيط، التي يديرها لحليمي، وعن مجلس الحسابات، الذي يديره جطو، وعن المجلس الاقتصادي، الذي يديره بركة، هي تقارير تدينهم هم بالدرجة الأولى، لأنها تقارير تهم وتغطي الفترة التي تولوا هم فيها الشأن العام "بالفور ياشيفور".
فأحمد لحليمي كان هو الرجل القوي في حكومة التناوب والمسؤول عن التوجهات الكبرى التي سطرتها الحكومة آنذاك. وإدريس جطو كان وزيرا أول، صاحب حظوة لدى مربع القرار(فضلا عن كونه كان وزيرا لعدة مرات على قطاعات استراتيجية وحساسة)، ونفس الشيء يصدق على نزار بركة الذي لم يكن فقط وزيرا قويا في الحكومة السابقة، بل وكان حزبه (الاستقلال) هو الماسك بمفاصل القرار الإداري والمالي على امتداد عقود. وبالتالي فكل ترويج اليوم للخطاب الجنائزي من طرف هذه المؤسسات الثلاث يحتمل إحدى الفرضيتين:
- إما أنهم يستغلون مواقعهم لاستبلاد الرأي العام؛
- وإما أنهم "ندموا" على ما زرعت سياساتهم العمومية سابقا، واختاروا "الكفارة بالذنوب" بالإقرار أن الشعب المغربي يحصد اليوم ما زرعوه لما كانوا يحكمون المغرب.
ما معنى أن يأتي لحليمي ويقول إن المغرب فشل في تذويب الفوارق الاجتماعية بين الجهات بالمغرب خلال العقدين الماضيين، وهو الذي كان في حكومة تتولى إعداد التراب الوطني وتم سن التصميم الوطني لإعداد التراب بدون أن تتم أجرأته لتقليص الفوارق المجالية بين المناطق؟!
ما معنى أن يأتي نزار بركة ويقول إن المغاربة هم "أسوأ" شعب في العالم من حيث انعدام الخدمات الطبية وتردي التعليم وغياب الحماية الاجتماعية.. والحال أن كل الحقائب الخاصة بالقطاعات الاجتماعية المعنية كانت تحت إبط حزبه لعقود عدة؟!
ما معنى أن يأتي إدريس جطو ويقول إن المغاربة يسكنون في أقفاص إسمنتية وبثمن فاحش وبدون مرافق ومكدسين في أقطاب حضرية تفتقر لـ "السميك الحضري"، علما أن معظم هذه الأقطاب والمدن الجديدة الكارثية هي بنت شرعية لحكومة جطو وتحمل توقيعاته في المراسيم والنصوص التطبيقية الصادرة بالجريدة الرسمية، هذا دون التوقف عند معطى شخصي يتجلى في أن جطو بنفسه مقاول ومنعش يساهم في هذا النوع من السكن؟
لا نريد منكم ثروة ولا توزيعا عادلا لها، نريد منكم فقط أن تكفوا عن احتقار ذكائنا الجماعي. فرصيدنا استنفد ولم تعد لنا القدرة على انتظار ما بعد 2021، ليأتي مسؤول آخر من "البيجيدي"، على رأس مؤسسة عمومية ليخطب فينا هو الآخر ويدعونا إلى حفل جماعي للطم الوجه تحسرا على الفوارق والعجز المالي والفشل الذي راكمه المغرب من عام 2011 إلى 2021.
فإن قتلتم المغرب.. رجاء لا تمثلوا بجثة المغربي!