انتبهوا إلى هذه المفارقة:
عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، مهندس
نورالدين بوطيب، الوزير المنتدب في الداخلية، مهندس
محمد فوزي، الكاتب العام لوزارة الداخلية، مهندس
خالد سفير، المدير العام للجماعات المحلية، مهندس
عبد الكبير زهود، والي الدارالبيضاء، مهندس
عبد العزيز العماري، عمدة البيضاء، مهندس
مصطفى البكوري، رئيس جهة البيضاء، مهندس
ورغم ذلك فإن الأوراش المفتوحة بالدار البيضاء هي أوراش عشوائية ولا تستحضر عذابات المواطنين (سائقين كانوا أو راجلين).
من قبل كان يقال لنا إن الرؤساء الأميين لا يفقهون في التسيير ويتم التلاعب بهم من طرف الموظفين المسؤولين عن الأقسام التقنية، وهذا ما يجعل الشأن العام يتميز بالارتجالية وغياب الجودة، وهو ما كان يفسر لماذا لا تتضمن أوراشنا الحضرية الالتزام بمعايير السلامة وعدم عرقلة الحياة اليومية للسكان. لكن هاهي كل الطوابق الإدارية المسؤولة على تدبير الدارالبيضاء "محتلة" من طرف مسؤولين ذوي بروفيل هندسي، ومع ذلك تعيش العاصمة الاقتصادية في الفوضى والبشاعة واحتقار مستعملي الطريق العام.
أذكر أن المسؤولين لما قرروا إنشاء الخط الأول من الترامواي، وتم تحويل الدار البيضاء إلى أخاديد وحفر وغبار وإزعاج وإضرار بمصالح التجار والحرفيين الموجودين على طول مسار الترامواي، سألت الوالي السابق حلب (وهو أيضا كان مهندسا) سؤالا في أعقاب زيارة لورش سيدي مومن وقلت له: "لماذا لا تلزمون الشركة التي تتولى الأشغال بالعمل ليل نهار، على الأقل ستخفضون من الميزانية الزمنية للتسخسيخ والتجرجير. وبدل إنجاز المشروع في أربع سنوات ينجز في عامين مثلا؟!"
جواب الوالي حلب صدمني، إذ قال لي: "كناش التحملات لا يتضمن العمل 24 ساعة على 24 ساعة". فأردفت معقبا:" كناش التحملات ليس قرآنا منزلا، وبمكن للإدارة وهي صاحبة القرار أن تدرج ذلك في سطر واحد. ويمكن للشركات أن تتنافس وفق الامتيازات المالية والزمنية التي ستجنيها من وراء ذاك".
التفت الوالي حلب نحو محمد ساجد (وكان وقتها عمدة للبيضاء) وخاطبه قائلا: "لندرس المسألة في الخط الثاني والثالث للترامواي".
ساجد أصبح وزيرا في الحكومة وحلب أحيل على التقاعد، وجيء بمسؤولين آخرين وبرزت مشاريع عملاقة ومهيكلة (لا يمكن للمرء إلا أن يباركها لأهميتها)، ولكن للأسف لم ننعم ببركة المهندس بعد أن خذلنا السياسي.
فالسياسي قد تكون له رهانات أخرى قد تخص تلميع صورته أو قد تهم تسمين أرصدته البنكية أو نسج علاقات لتنويع رأسماله المعنوي ليستفيد منه بعد خروجه من دائرة القرار، لكن المهندس (سواء كان موظفا أو رئيس قسم أو وزيرا أو واليا أو عمدة أو رئيس جهة أو مسؤولا ساميا، مفروض فيه أن يوظف علمه لضمان الرفاهية لمواطنيه وتحسين الخدمات المقدمة لهم. فلا خير في مهندس لا يحرص على التقيد بأخلاق وبشرف الهندسة فأحرى إن كانت لهذا المهندس السلطة الآمرة لتعديل النصوص وكنانيش التحملات.
ما معنى توسيع قنطرة شارع الناظور أو قنطرة كابلام بالطريق السيار الحضري بالبيضاء مثلا دون أن يتم إلزام الشركة بالعمل ليل نهار لتقليص مدة عذاب الناس، خاصة وأن هذا المحور الطرقي يعرف يوميا صبيبا يتجاوز 160 ألف سيارة في اليوم؟
ما معنى إنجاز نفق الموحدين قرب "سرفيس ديمين"، دون إلزام الشركة بوضع ممرات مؤقتة للراجلين وحمايتهم من تطاير الحجر ومن مخاطر السيارات؟
ما معنى إنجاز قنطرة ونفق عزبان دون إجبار الشركة على وضع الإشارات الضوئية بالورش لتنبيه مستعملي الطريق بالليل إلى وجود خطر بدليل أن "لكسايد" والاصطدام بآليات الورش ومعداته تتناسل كل يوم؟
ما معنى فتح ورش الخط الثاني من الترامواي بطول يقارب 30 كيلوميتر دون إلزام الشركة بوضع حتى لوحات الإرشاد للسكان المجاورين ووضع الممرات الآمنة للتجار ولزبنائهم، فأحرى أن نحلم بالعمل ليل نهار للتعجيل بإنقاذ السكان من "فقسة الأشغال"؟