كَثيرون ينسون أو يجهلون أنّ السرديات الكبرى من ليبرالية واشتراكية و شيوعية كانت تيّارات فلسفيّة في الأصل أتت في خضمِّ الثورة الصناعيّة وعصر الأنوار في أوروبا لتعيد النظر في النّظم المجتمعيّة القائمة آنذاك من إقطاع وأسياد وأقنان وهيمنة الإيكلروس على الحياة العامة والخاصة للنّاس. الليبرالية وضعت الحريّة الفردية في صلب عقيدتها، لكن سرعان ما تبيّن أن الحريّة بدون قيود لم تأت بذلك المجتمع السعيد المنشود لأن الإنسان ذئب للإنسان، فجاءت الاشتراكية لتصحّح هذا المسار بفرض الحديث انطلاقا من "النّحْنُ" بدل "الأنا" و من التكتّل بدل الفرد.
جاء بعد ذلك ماركس بخطوة إلى الأمام بتصنيف المجتمع ليس ككتلة متجانسة لكن كطبقات متصارعة حول من له الأحقيّة في الهيمنة في المحصّلة النهائية أهو رأس المال أم العمل في مقاربة حديّة خاطئة من أنّ مجهود العمل هو من يخلق القيمة المضافة للاقتصاد وليس رأس المال، مع تنبّؤ بتهالك جهاز الدولة في مجتمع لم يعد في حاجة إليها وأنّ سوف يكون لكلّ واحد حسب حاجاته وليس حسب إمكاناته المادية ووضعه الطبقي.
بعد هذا التمهيد المُبَسْتر، أخلص إلى أن كلّ هذه السرديّات تبقى تأمّلات فلسفية نظريّة وليدة حقبة تاريخية معيّنة أصبحت متجاوزة في عالم أصبح قريّة صغيرة وبرهانات من نوع جديد أتت بها العولمة والثورة الرقميّة واقتصاد عابر للقارات وأسواق ماليّة متحرّرة من كل القيود.
أصحابنا جعلوا من تيارات فلسفية عقيدة وإيديولوجيا لا يأتيها الباطل من خلفها وهذه خطيئتهم، بقائهم يُلَوّكون ما قالت به الأموات؟؟
المطلوب اليوم من طبقتنا السياسية أن تغادر يَرَقَتها و تتخلص من القوالب الخلاصية الجاهزة لتنخرط في رهانات اليوم بالنسبة لبلدنا عناوينها الاستثمار في الموارد البشرية، الانخراط في الثورة العلمية، تمنيع اقتصادها وتحريره من مراكز القرار الأجنبي، الكف عن إهدار المال العام في البهرجة وصرف الريع لمؤسسات جوفاء، الكفّ عن زرع الفتنة بين المغاربة في صراعات هويّاتية ودينية.... إلخ.
أنا شخصيّا لا أبحث عن أكثر من وطن لكلّ مواطنيه وعن اقتصاد يخلق ثروة وليس ريوعاً وحكّام يحمون سيّادة المغرب في عالم لا مكان فيه للمتخاذلين والإمّعات!!