يوسف لهلالي: فوز فرنسوا فيون كممثل لليمين ومخاطر تحول السياسة الفرنسية بالمنطقة

يوسف لهلالي: فوز فرنسوا فيون كممثل لليمين ومخاطر تحول السياسة الفرنسية بالمنطقة

الفوز الكبير لفرنسوا فيون كممثل عن اليمين والوسط في الانتخابات التمهيدية قلب كل الأوراق الداخلية والخارجية حول هذه الانتخابات التمهيدية، والتي فرزت المرشح الأكثر حضا لظفر ببطاقة الدخول إلى الإليزي على اعتبار المشاكل المتعددة التي يعيشها اليسار وممثله الطبيعي فرنسوا هولاند، الذي يريد عدد من أنصاره إجباره على إجراء انتخابات تمهيدية داخل الحزب الاشتراكي، وهي سابقة لم يتعرض لها أي رئيس منتخب سابق بفرنسا، بالإضافة إلى التصريحات المتناقضة لمانييل فالس، رئيس الوزراء، وأنصاره حول إمكانية  تقدمه ضد الرئيس، وهو الأمر الذي يلمح له المعني بالأمر أو المقربون منه قبل أن ينفيه، وهي كلها أحداث ترجح  حظوظ ممثل اليمين فرنسوا فيون. خاصة أنه تمكن من إقصاء أحد أكبر رموز اليمين الفرنسي وهو الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء السابق آلان جيبي، وهو إقصاء فاجأ الجميع وجعل الجميع  يعيد قراءة المشهد السياسي بفرنسا، خاصة أن لا أحد كان يراهن على المرشح الجديد. فلادمير بوتين رئيس فيدرالية روسيا لم يتردد في دعم فرنسوا فيون حتى قبل إعلان النتائج وأثناء الحملة الانتخابية  التي رافقت الدور الثاني، وهو ما يعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية الحزبية بفرنسا. لكن قيصر روسيا متفائل ومسرور باقتراحات صديقه فرنسوا فيون الذي يريد حل القضية السورية ومواجهة الإرهاب في تعاون مع موسكو ويريد إقناع باقي الشركاء برفع العقوبات ضد روسيا والتحاور معها حول الأمن بأوروبا وبحل القضية السورية.

المغرب الذي يتابع عن كتب هذه الانتخابات لأهمية العلاقات الاستراتيجية بين البلدين ولقوة العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية ووجود جالية جد مهمة وهي الأكبر من حيث العدد والكيف بالخارج وهو ما يعكسه وجود ثلاثة وزيرات من أصول مغربية في حكومة فرنسوا هولاند، بالإضافة الى التعاون الوثيق بين البلدين بأفريقيا وفي مواجهة الإرهاب وتقارب وجهة نظر البلدين حول الوضع بسوريا والعديد من بؤر التوتر بالإضافة إلى الدعم الكبير للمغرب الذي تقدمه باريس على المستوى الأممي لقضية الوحدة الترابية. فهل تتغير هذه السياسية الفرنسية في حالة فوز فرنسوا فيون البرغماتي والذي يريد استرجاع قوة فرنسا بطريقته؟ وهل تدفعه براغماتيته على الطريقة الإنجليزية إلى تغيير سياسة فرنسا على المستوى الإقليمي خاصة بشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء وهي المنطقة التي تهم بشكل كبير الرباط؟

الفوز الواسع الواضح لفرنسوا فيون على آلان جيبي في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط وهو فوز كبير بنسبة 66.5 في المائة ليتفوق على غريمه الذي لم يحق إلا 33 في المائة، وهو اختيار واضح لما يمثله المرشح الفائز من يمين تقليدي ومحافظ في عائلة اليمين الفرنسي المتعددة.

هذا الفوز له أكثر من دلالة، منها نجاح عائلة اليمين والوسط لأول مرة في اختيار مرشحها عن طريق الانتخابات التمهيدية والتي شهدت نجاحا كبيرا من حيث نسبة المشاركة، أي أكثر من 4 مليون مشارك. واختيار اليمين لرجل له اختيارات اقتصادية جد ليبرالية وسياسة للحد من النفقات العمومية وللحد من عدد الموظفين والخدمات العمومية التي تميزت بها فرنسا ورفع ساعات العمل من 35 الى 39 ساعة بالنسبة للقطاع العام وإلى 48 ساعة للقطاع الخاص. والدلالة الأخرى هي أن اليمين والوسط خرجا موحدا وراء مرشح واحد بدل اليسار الذي يعاني من التشتت وتعدد المرشحين ووضعية صعبة للمرشح الطبيعي لليسار الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي يريد بعض أعضاء حزبه الى إجباره على المشاركة في انتخابات تمهيدية أو ثنيه على الترشح الى حقبة رئاسية جديدة، وهو ما تعكسه التصريحات المتناقضة لوزيره الأول وأنصار هذا الأخير داخل الحزب.

هذا النجاح لليمين الكلاسيكي بفرنسا جاء بعد سلسلة من الكتب والمظاهرات، هذه الكتب التي لقت نجاحا كبيرا كانت كلها مرتبطة بالهوية القديمة لفرنسا، وذات منحى رجعي منها كتب تبكي وتحن إلى العودة إلى نظام فيشي المتعاون مع النازية وإلى الماضي الاستعماري لها، وأخرى تعتبر فرنسا انهارت وتراجعت كقوة بالعالم. فرنسوا فيون هو أيضا مرشح الجمعيات الكاثوليكية التي تظاهرت بقوة طيلة فترة حكم فرنسوا هولاند ضد الإصلاح العائلي الذي يسمح للمثليين بالزواج وتبني الأطفال.

وفي نفس الوقت فشل مرشح "الهوية السعيدة" وفرنسا التعدد الثقافي وفرنسا الدوغولية التي يمثلها آلان جيبي والذي لم يتمكن من الحصول إلا على ثلث أصوات  عائلته السياسية. هذا الطرح الذي كان يحاول إعطاء صورة عصرية عن اليمين الفرنسي وجعله اكثر انفتاحا على طريقة جاك شيراك الذي كان رمزا لهذا التوجه والذي كان آلان جيبي هو ممثل وركز هذا التوجه.

مرشح اليمين كان مقربا من الجمعيات الكاتوليكية، والتي تقترح نموذج واحد للعائلة، جمعية "مانيف بور توس" والتي كانت ضد الزواج للجميع والتي تناضل ضد الزواج المثليين وحقهم في تبني الأطفال ونظمت تظاهرات كبرى بباريس طيلة فترة حكم اليسار.

ومن أهم أهداف مرشح اليمين الواضحة دعم  الهوية الوطنية، القضاء على نظام التأمين الاجتماعي العام، وبناء فرنسا اقتصاديا واجتماعيا على طريقة مارغريت تاتشر، الحد من الخدمات العمومية من مستشفيات، والمساعدات الاجتماعية والحد من مختلف الخدمات التي كان يقدمها القطاع العام والحد من النفقات العمومية. المطالبة بإعادة كتابة التاريخ وموقف متشدد من الإسلام، خاصة أنه يرفض التعاون مع البلدان التي ينتمي لها الفرنسيون من أجل تدبير قضايا الإسلام.

هذه الانتخابات التمهيدية التي طالب بها فرنسوا فيون والتي تمكن من النجاح  فيها رغم أن الاستطلاعات لم تكن في صالحه في البداية، والتي كانت لصالح آلان جيبي متبوعا بنيكولا ساركوزي الذي أقصي بدوره في الدور الأول، وهو إقصاء شكل مفاجأة كبيرة لجميع المتتبعين للحياة السياسية بفرنسا.

اليمين المتطرف الفرنسي بزعامة مارين لوبين تابع عن كتب هذه الانتخابات التمهيدية، وتجد زعيمته نفسها في وضع صعب، وهو نجاح زعيم مرشح لليمين لم يكن منتظرا بعد أن كان هذا الحزب ينتظر نيكولا ساركوزي بصبر فارغ وكل الحملة الإعلامية كانت جاهزة في هذا الاتجاه، وفرنسوا فيون ممثل اليمين والوسط يطرح عدة صعوبات لمارين لوبين لوجود عدد من أوجه الشبه بينهما، لأنه محافظ على مستوى القيم، وقريب من الجمعيات الكاثوليكية التي ناضلت ضد الزواج للجميع الذي طبقته حكومة اليسار، هذا بالإضافة إلى أن مرشح اليمين ليست ضده أية متابعة قضائية مثل المتابعات التي يعاني منها ساركوزي، وهو ما يسهل الهجوم عليه ويسهل الخطاب الشعبوي لليمين المتطرف أن "السياسيين كلهم فاسدون" لكن فريق لوبين غير استراتيجيته واعتبر أن فيون هو مكسر النظام الاجتماعي بفرنسا، إشارة إلى الإصلاحات التي يقترحها، بالإضافة إلى قربه الكبير من روسيا مثل مارين لوبين ودعوته إلى الانفتاح على  النظام السوري.

فرنسوا بايرو الذي يمثل الوسط الفرنسي من المنتظر هو الآخر أن يترشح في هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يمكن أن يطرح عددا من الصعوبات لممثل اليمين والوسط ويحرمه من عدد من الأصوات، وحتى الوسط الذي شارك في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين التزم الصمت بعد فوز فرنسا فيون، خاصة أن الوسط كان يدعم بشكل واضح آلان جيبي. وهو ما يعكس عدد الصعوبات التي مازالت تنتظر زعيم اليمين.

وإذا كان اليمين والوسط يتوحدان وراء فرنسوا فيون، فإن اليسار مشتت بكل ما في الكلمة من معني ويعيش التفرقة حتى رئيس الحكومة إيمانييل فالس لا يستبعد ترشحه في الانتخابات الرئاسية، هذا بالإضافة إلى مرشحين آخرين من عائلته السياسية، منهم من يريد التقدم إلى الانتخابات التمهيدية لليسار، ومنهم من يريد أن يفرض على الرئيس المشاركة في هذه الانتخابات التمهيدية وهي سابقة بالنسبة لرئيس أثناء تأديته لمهامه، ومنهم من يريد تجاوزها وحتى الحزب الراديكالي المشارك في الحكومة أعلن تقديم مرشحه في هذه الانتخابات، هذا بالإضافة إلى اختيار الحزب الشيوعي بعد تضارب بين القيادة والقاعدة إلى دعم المرشح جون ليك ميلونشو الذي يمثل جبهة اليسار ويعتبر نفسه غير معني بالانتخابات التمهيدية لليسار والحزب الاشتراكي.

السياسة الخارجية لفرنسا كانت حاضرة هي الأخرى في هذه الانتخابات التمهيدية، فرنسوا فيون لم يخف طيلة حملته الانتخابية قربه، بل صداقته مع فلادمير بوتين، وركز على ضرورة الانفتاح على روسيا والتعامل معها كقوة كبرى بالمنطقة وجزء من أوروبا، وحذف العقوبات التي تطبقها البلدان الغربية، بل إن مرشح اليمين يعتبر أن الحل في سوريا يمر عبر التعاون مع روسيا ضد الحركات الإرهابية في المنطقة، بل دعا إلى الانفتاح على إيران باعتبارها فاعلا أساسيا بسوريا، وكذاك مع النظام السوري من أجل القضاء على الحركات المسلحة وعلى داعش. وهي نظرة تختلف مع باقي نظرة حلفاء فرنسا سواء بأوروبا مثل المانيا أو مع حلفائها بمنطقة الشرق الأوسط وبشمال إفريقيا، خاصة المغرب الذي يعتبر أن النظام السوري لم يعد مقبولا من طرف شعبه. بالإضافة إلى التعاون الوثيق بين البلدين بإفريقيا وفي مواجهة الإرهاب وتقارب وجهة نظر البلدين حول العديد من بؤر التوتر، بالإضافة إلى الدعم الكبير للرباط الذي تقدمه باريس على المستوى الاممي لقضية الوحدة الترابية. فهل تتغير هذه السياسة الفرنسية في حال فوز فرنسوا فيون البرغماتي والذي يريد استرجاع قوة فرنسا بطريقته؟ وهل تدفعه براغماتيته على الطريقة الإنجليزية إلى تغيير سياسة فرنسا على المستوى الإقليمي، خاصة بشمال إفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء، وهي المنطقة التي تهم بشكل كبير الرباط؟

ويدعو فرنسوا فيون أوروبا إلى احترم سيادة البلدان أي استمرار أوروبا بشكلها الحالي، حيث تحافظ كل دولة على توجهاتها المالية والاقتصادية، مما يبعد إمكانية الوحدة فيما بينها كما تدعو إلى ذلك حليفتها ألمانيا.

لكن إذا اختار اليمين والوسط مرشحه فرنسوا فيون، بشكل يجعل هذه العائلة السياسية موحدة أمام التشتت الذي يمثله اليسار، فإن الطريق نحو الإليزي في شهر ماي المقبل هي طويلة ومليئة بالمنعرجات ولن تكون سهلة رغم هذا النجاح الأولي، خاصة أن المرشح أعلن عن برنامج تقشفي يهدف إلى الحد من النفقات العمومية وتخفيض الضرائب على المقاولات، ولا يخفي إعجابه بالإصلاحات التي قامت بها مارغريت تاتشر في بريطانيا في عقد الثمانينات من القرن الماضي. فهل يقبل الفرنسيون بإدخال مرشح إلى الإليزي بهذه المواصفات؟