عبد الاله بنكيران، لم تسعفه فراسته هذه المرة. إذ مباشرة بعد إعلان النتائج و تكليفه بتشكيل الحكومة، حاول أن يضرب عصفورين بحجر واحد، أراد أن يلملم حوله أغلبية جد مريحة، إذ سارع لاستقبال كل الأحزاب بمافيها حزب عرشان. و أراد كذلك خندقة الأصالة والمعاصرة في المعارضة في ركن ضيق رفقة فيدرالية اليسار. لا أعلم هل نسي أم تناسى عبد الإله بنكيران، أن هذه البلاد تقوم على مبدأ أساسي و مفصلي، على الأقل منذ حكومة التناوب، هو مبدأ التوافق. التوافق بين المخزن و الأحزاب السياسية المغربية. ربما فرحة الانتصار و التفويض الشعبي (رغم محدوديته) أنسته أن للبلاد من يحكمها. انطلاقا مما سبق، لم يتأخر رد فعل المخزن كثيرا، إذ قام بمجموعة من الإجراءات التقنية - استقالة صلاح الدين مزوار من رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار؛ - تأخير انعقاد المؤتمر الوطني للحزب قرابة الأسبوعين؛ - انتخاب عزيز أخنوش على رأس الحزب؛ - تقديم شروط حزب التجمع للدخول للحكومة، من بينها الفيتو على حزب الاستقلال؛ - عدم وضوح صورة الاتحاد الاشتراكي من قبول المشاركة في الحكومة من عدمه. وبالتالي، فإن عبد الإله بنكيران وجد نفسه بين المطرقة و السندان. مطرقة التحالف مع أحزاب الكتلة و سندان شروط عزيز أخنوش. إن فضل التحالف مع أحزاب الكتلة (الاتحاد الاشتراكي، الاستقلال و التقدم و الاشتراكية) فإنه كمن يعلن القطيعة مع المخزن، و بالتالي، سوف تمر عليه الخمس سنوات القادمة كقرن من الزمن. بالإضافة، أن بنكيران يعلم أكثر من غيره أن شباط و لشكر لا يمكنه الوثوق بهم، لتاريخه الحافل بالاصطدامات خلال الولاية الحكومية السابقة؛ إن قبل بشروط عزيز أخنوش، و المتمثلة في تشكيل حكومة من أحزاب العدالة والتنمية، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري و التقدم و الاشتراكية. كأنه يقبل بتشكيل حكومة وسط حكومة، أو بالأحرى، كما عبر عنه بالقول، يريدونني أن أكون رئيسا للحكومة يوم الخميس فقط. انطلاقا مما سبق، فإن عبد الإله بنكيران يحاول أن يمسك العصا من الوسط، يحاول أن يجد حلا يحفظ ماء وجه الجميع. من جهة، لا يريد أن يتواجد في مواجهة مباشرة مع المخزن، و من جهة أخرى، يريد أن يحافظ على هيبته و هيبة حزبه. و عليه، فإن رئيس الحكومة المكلف، يريد تشكيل حكومة مع حليفه التقليدي، التقدم و الاشتراكية، بالإضافة لحزبين مهمين، التجمع الوطني للأحرار و الاستقلال. ختاما، يبدو أن متاعب عبد الإله بنكيران، لم تنتهي بعد، إذ عليه انتظار عودة ملك البلاد من جولته الإفريقية لكل من إثيوبيا، مدغشقر، نيجيريا و كينيا خلال الأسبوع الأول أو الثاني من شهر دجنبر، لتدليل الصعاب إما عن طريق مفاوضة عزيز أخنوش أو طلب تدخل ملكي لتشكيل الحكومة.