لما بادرت السلطة العمومية إلى خلق شركات التنمية المحلية بالدار البيضاء، تم التمهيد لذلك بحملة مفادها أن العاصمة الاقتصادية للبلاد تعد «غولا» يقتضي اعتماد آليات جديدة في التدبير لإنجاز وإدارة المشاريع بدل تركها بيد المجلس الجماعي.
ورغم تهريب وزارة الداخلية لسلطة القرار بشركات التنمية المحلية وإحكامها للقبضة الحديدية على كل مفاصل هذه الشركات (من رئاستها للمجالس الإدارية في شخص الوالي، إلى إسقاط مدراء بالمظلات على رأس هذه الشركات بدون مباراة، مرورا بتحديد البرامج والتصورات)، فإن العديد من المتتبعين أعرضوا عن هذه الاختلالات، أملا في أن تعطي شركات التنمية المحلية قيمة مضافة بالدار البيضاء. لكن ما أن تم ضخ الملايير في خزائن هذه الشركات من موارد الخزينة العامة، وشرعت هذه الآليات الجديدة في العمل حتى برزت للعيان المآسي من جهة واكتشف المتتبعون أن شركات التنمية المحلية كانت منتجة للفظاعات أكثر من إنتاجها للجودة في تحسين إدارة المرافق العامة من جهة ثانية.
لن نتوقف عند شركة الخدمات التي كانت نذير شؤم على قطاع النظافة الذي تحولت معه البيضاء إلى «أوسخ مدينة كبرى بالحوض المتوسطي»، ولن نتوقف عند الشركة المكلفة بالباركينغ، والتي تحولت إلى كاسحة لموارد المدينة دون أن تبني باركينغ واحدا.
سنأخذ مثالين بارزين للفظاعات التي أفرزتها التجربة: المثال الأول يخص شركة الدار البيضاء للتهيئة، والمثال الثاني يتمحور حول شركة الدار البيضاء للنقل. فهاتان الشركتان رغم أن لهما نفس المجلس الإداري تقريبا ونفس الممول ونفس الجهاز الوصي، فإنهما يشتغلان بمنطق «الكانيباليزم» (Cannibalisme). أي أن كل شركة تفترس حقوق المواطنين وتتباهى كل واحدة منهما بمن ستكون أشد فتكا بتهيئة الدار البيضاء وتشويهها.
هاهو كورنيش عين الذئاب ينهض كأسطع مثال على هذا «الكانيباليزم» المالي والإداري والتعميري دون أن نسمع صوت حزب في الأغلبية أو المعارضة يحتج على المسخ الذي يطال ساحل الدار البيضاء.
فهل يعقل أن نصرف الملايير على شركة الدار البيضاء للنقل كي لا تهتم سوى بدراسة تنقلات البيضاويين خلال ثمانية أشهر من العام فقط؟ هل يجوز تسميتها بهذا الإسم وهي تقصي تنقلات البيضاويين خلال عطلة الصيف حين يتوافد مئات الآلاف من السكان على ساحل عين الذئاب ودار بوعزة والنحلة وزناتة دون أن يتم استحضار ذلك في التخطيط والإنجاز (طرق وقناطر وتشبيك وسائل النقل + برمجة خط جديد للترام يكون خطا ساحليا...إلخ.)؟
هل يعقل أن تسمى شركة الدار البيضاء للتهيئة، وهي لا تحمل من التهيئة إلا الاسم؟ هل المنطق يسمح بأن نأخذ من جيب البيضاويين «زبالة ديال الفلوس» لننفقها على تهيئة الكورنيش (من مطعم سجلماسة إلى موروكومول) دون أن تعمد الشركة إلى ترك مسارات مستقبلية لخط جديد للترامواي من محطة القطار الميناء إلى دار بوعزة لتسهيل تنقل المصطافين؟
هل من المقبول أن «ترمي» شركة الدار البيضاء للتهيئة 20 مليار سنتيم على الكورنيش وترهن المدينة لمدة 15 أو 20 سنة بعدم المساس بالمشروع (في حالة نضج الصحوة بالحاجة إلى خط ترامواي ساحلي) بدعوى «أننا أصلحنا للتو الكورنيش ولا داعي للهدم والنبش من جديد؟!»
إن اتهام المغاربة بأنهم شعب «يدير ظهره للبحر»، اتهام باطل وملفق، لأن الشعب يحب البحر، بل ليست له الإمكانيات للتنقل إلى وجهات أخرى لقضاء العطلة بحكم ضيق ذات اليد، فيبقى البحر الملاذ الوحيد للآلاف من السكان، وبالتالي فالصحيح أن المسؤولين المغاربة هم «الذين يديرون ظهورهم للبحر» وليس الشعب.
وطبيعي أن يدير المسؤولون ظهورهم للبحر مادام جزء منهم «يتبحر» في سواحل «كوباكابانا» أو «الكوت أزور» والجزء الآخر يتبحر «داخل ذاته»!!