وهكذا اختار الأمريكيون في النهاية إنسانا لا يمكن وضعه في خانة رجال الدولة كما توضح ذلك أثناء الحملة الانتخابية من خلال تصريحاته وخطبه بخصوص العديد من القضايا التي تهم السياسة الداخلية للإدارة الأمريكية أو مكانة أمريكا الدولية. وأكبر دليل على تخوفات العالم من مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من شهر يناير من السنة المقبلة هو رد فعل الأسواق المالية العالمية حيث تراجعت الأسهم بشكل ملحوظ ما أن بدأت تظهر النتائج الأولى في الولايات المتحدة التي حقق فيها المرشح الجمهوري تقدمه وتفوقه على منافسته هيلاري كيلنتون. ولابد من الإشارة إلى خبر تناقلته في تلك اللحظة الوكالات عند إعلانها عن نتائج الاقتراع باحتمال فوز المرشح الجمهوري، وهو خبر مفاده أن من الأمريكيين من عبر عن سخطه بالتفكير في الهجرة إلى كندا حتى لا يبقى رعايا دولة وضع شعبها مصيره لمدة أربع سنوات تحت رحمة رئيس يعتبرون أنه سيقود أمريكا ومعها العالم إلى مستقبل مجهول. لكن عندما تأكد للجميع في أمريكا وعبر أنحاء العالم بأن دونالد ترامب هو الذي فاز في الرئاسيات الأمريكية ل2016 بدأ التساؤل حول ما إذا سيكون من تسلم مفاتيح البيت الأبيض هو نفس الذي كان يردد إبان الحملة الانتخابية خطابات مثيرة للجدل، أي إلى أي حد سينهج دونالد ترامب السياسة التي كانت يلوح بها وأنه سيجعل الإدارة الأمريكية المقبلة تطبقها بحذافرها سواء فيما يخص الوضع الداخلي الأمريكي، أو على صعيد الأوضاع الدولية؟ وبالتالي إلى أي حد سينهج الرئيس الأمريكي الجديد سياسة معادية للأقليات العرقية والمهاجرين والعلاقة مع المكسيك والعداء للعرب المسلمين وإعادة النظر في الاتفاق النووي مع إيران والتنكر للالتزامات الأمريكية بخصوص التعامل مع التغييرات المناخية والعمل على رفع القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي إلى غير ذلك من الكلام الذي يردده المرشحون للرئاسة في أمريكا إبان الحملة الانتخابية وبعد ذلك يضعونه في طي النسيان عندما يتسلمون المفاتيح التي يدخلون بها إلى البيت الأبيض. ولقد جرت العادة بأن يتردد هذا السؤال كلما جاء إلى سدة الحكم في أمريكا رئيس جديد: إلى أي حد يمكن لرئيس أمريكي أن تكون له تأثيرات قوية على توجهات الإدارة الأمريكية في المواجهة مع المؤسسات والجهات النافذة في الولايات المتحدة؟ ولا حاجة إلى القول بأن هذه الجهات النافذة هي التي يكون لها قرار الحسم في الترتيبات والخطط التي تنتهي بأن يتولى الرئاسة تارة مرشحون جمهوري وتارة أخرى مرشح ديموقراطي ليكون الرئيس في النهاية وطيلة سنوات ولايته تحت تصرف الجهات النافذة. وبذلك يكون الرئيس الأمريكي في نهاية الأمر مجرد عارض للزي السياسي أي «مانكان» يرتدي اللباس الذي تختاره له الجهات النافذة في الإدارة الأمريكية وفي عالم المال والأعمال. هكذا لم يعد لأمريكا اليوم رؤساء كبار كما كان الحال في خمسينيات القرن الماضي وقبل ذلك رؤساء عظماء مثل فرانكان روزفلت أو الجنرال إيزنهاور. أما جون كنيدي الذي أراد أن يكون رئيسا حقيقيا على أمريكا فقد تعرض للاغتيال قبل أن يكمل السنة الثالثة من ولايته.