وفي هذا السياق أقول: فهل مازال في ساحة أمتنا الإسلامية من علماء عقلاء يضمدون الجراح، و يلمون الشمل، و يحيون الأمل في نفوس الأجيال البائسة اليائسة؟!. إلى متى سيظل علماء وشيوخ المذاهب والأحزاب والجماعات الإسلامية والعشائر والقبائل، ودعاة الفضائيات يتلاعبون بعواطف الناس وبعقول شبابنا الإسلامي..؟! احكموا بما شئتم على من تريدون من أهل القبلة بالتبديع والتفسيق والتكفير..فإن نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم يشهد لهم بالإيمان والإسلام، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته " في الحقيقة كل هؤلاء فاقدون للبوصلة، وفاقدون للهدي النبوي الكريم ومنهاجه القويم، لأن الإسلام المحمدي الصحيح يجمع ولا يفرق، يبشرولا ينفر، ييسر ولا يعسر، يبني وﻻ يهدم، يدعو بالرحمة والمغفرة للمتوفين، والتوبة والهداية للعصاة والمذنبين بدون لعن وﻻ صياح ولا عويل، يؤلف القلوب على الخير والبر والإحسان، ويجمع الناس على السلم والحب والوئام..ويا ليت هذه الملايين من الدولارات الأمريكية التي تنفق وتصرف في هذه المؤتمرات، تنفق في بناء المعامل والمدارس والمستشفيات ومساكن للفقراء واليتامى وتزويج العزاب والعازبات..وكفى الله المؤمنين شر القتال . فظاهرة تكفير المسلمين وإخراجهم من دينهم أصبحت ظاهرة خطيرة تقلق راحة المجتمعات المسلمة وتنذر بكوارث لا تحمد عقباها؛ فإذا لم تعالج بقوانين زجرية صارمة ستتفاقم وتنمو وتكبر، وبالتالي يصعب معالجتها، والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة لم تنتشر بكثرة، إلا في أوساط أهل السنة والجماعة، مع أن أهل السنة وخاصة السادة الأشاعرة لا يكفرون أهل القبلة، ولهذا الإمام الأَشْعَرِيَّ رحمه الله تعالى المتَوفَّى سَنَةَ (324 هِجرية) قَدْ رَفَضَ عَقِيدَةَ التَّكْفِيرِ بِشِدَّةٍ، حَتَّى إِنَّ آخِرَ كَلِمَةٍ مَاتَ عَلَيْهَا هِيَ قَوْلُهُ لأحَدِ جُلَسَائِهِ وَهو يَحْتَضِرُ:" اشْهَدْ عَلِىَّ أَنِّي لاَ أُكَفِّرُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ، لأِنَّ الْكُلَّ يُشِيرُونَ إِلَى مَعْبُودٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ اخْتِلاَفُ الْعِبَارَاتِ". وَعِنْدَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمْرُ بِقَضَايَا اجْتِهَادِيَّةٍ فَإِنَّ أَئِمَّةِ الْعَقِيدَةِ الأشْعَرِيَّةِ يُظْهِرُونَ تَسَامُحاً لاَ نَظِيرَ لَهُ، حَيْثُ لَمْ يُكَفِّرُوا مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَقْرِيبِ بَعْضِ قَضَايَا الاعْتِقَادِ كَإِنْكَارِ رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الأَفْعَالِ وَمَسْأَلَةِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَخَلْقِ الْقُرْآنِ وَبَقَاءِ الأَعْرَاضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ دَقَائِقِ عِلْمِ الْكَلاَمِ، فَالأُولَى كَمَا يُقَرِّرُ عُلَمَاءُ السنة عَدَمُ التَّكْفِيرِ؛ لِكَوْنِ أَصْحَابِهَا مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ، وَالتَّأْوِيلُ إِنَّمَا هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الاجْتِهَادِ فِي فَهْمِ النَّصِّ، وَهُوَ عَمَلٌ يُثَابُ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ، سَوَاءٌ أَخْطَأَ أمْ أَصَابَ. وَقدَ وَضَعَ الإمامُ الغَزَاليُّ رحمه الله الْمُتَوَفَّى سَنَةَ ( 505 هِجْرية) قَاعِدةً جَليلةً فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَطيرِ الحساس فَقَالَ: " وَالذِي يَنبغِي أنْ يَميلَ المحصلُ إليه الاحترازُ مِنَ التكفير مَا وَجد إليه سبيلا، فإنَّ استباحةَ الدماء والأموال من المصلين للقبلة، المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خَطَأٌ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَأ فِي سَفْكِ مَحْجَمَةٍ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ". كما وضع قَواعِدَةً أُخْرَى مُسْتَلْهَمَةً مِنْ رُوح الشَّرْع الْحَكِيم منها: "إنَّ الْخَطَأ فِي حُسْنِ الظَّنِ بِالْمُسْلِمِ أَسْلَمُ مِنَ الصَّوَابِ فِي الطَّعْنِ فِيهِ. فَلَوْ سَكَتَ إِنْسَانٌ مَثَلاً عَنْ لَعْنِ إبليسَ أوْ لَعْنِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ أبِي لَهَبٍ أَوْ مَا شِئْتَ مِنَ الأشْرَارِ طُولَ عُمُرِهِ لَمْ يَضُرَّهُ السُّكُوتُ. وَلَوْ هَفَا هَفْوَةً بِالطَّعْنِ فِي مُسْلِمٍ بِمَا هُوَ بَرِيءٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مِنْهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْهَلاَكِ..". وعموما فإن التكفير في المجتمعات المسلمة السنية قد أصبح سلاح خطير بيد التكفيريين المتفيقهين يستخدمونه في وجه كل مخالف أو معارض لهم ولأيديولوجيتهم المسمومة والعقيمة؛ من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية المادية المغلفة بغلاف الدين..وللمزيد من قيمة الفائض التكفيري اخترعوا لنا هؤلاء قاعدة فقهية جديدة وخطيرة وهي: " من لم يكفر الكافر فهو كافر" ، وعندما نقول "الكافر" أي بمفهومهم هم، وليس بمفهوم القرآن والسنة وأقوال علماء اﻷمة المعتبرين؛ فتراهم مثلا عندما يختلفون مع أي حاكم مسلم يكفرونه مباشرة، فإن لم تكفره معهم فأنت كافر معه، وهكذا تصبح الشرطة كافرة والجيش كافر، وأعضاء في البرلمان كفار، والوزراء كفار، وعلماء الدولة كفار، وكل من يعمل في مؤسسات هذا الحاكم الكافر فهو كافر..!! . ولم يقف سيف التكفير عند هذا الحد وفقط ؛ بل طال رقاب شيوخ التكفير أنفسهم؛ بحيث تلميذ هذا الشيخ أو ذاك يكفر شيخه الذي تتلمذ على يده؛ ﻷن شيخه لم يكفر من كفره تلميذه عندما اشتد عوده في التكفير..! وهذا واقع مرير نعيشه يوميا وليس من أفلام الخيال العلمي اﻷمريكية، أو من قصص الأفلام الهندية، ومن كان عنده حبة خردل من شك أو ارتياب مما أقول فليستمع إلى أشرطة الشيخ وجدي غنيم، والشيخ محمد سعيد أرسلان، والشيخ محمود عبد الرزاق الرضواني وغيرهم كثيرمن التكفيريين الذين أصبحوا سكاكين جاثمة على أعناق أمتنا الإسلامية، والله المستعان .