الأمر يبدو غريبا من خلال التفوق/ اليقين ، الذي أبدته تحليلات المنابر و استطلاعات الرأي ، حد التأكد من فوز "هاليري كلينتون " برئاسة أمريكا ...فلم يحدث ، إذ فاجأ " ترامب " الجميع . مع الإشارة أن الأيام الأخيرة من الحملة كانت تشي بالمفاجأة ... و قبل " ترامب " ، فشل " دافييد كامرون " في بريطانيا ، و في الحفاظ على موقعها في الاتحاد الأوروبي بسبب استطلاعات الرأي التي كانت لصالحه قبل أن يغامر بالاستفتاء ... ...هناك من كان يقول و يعتقد أن الديمقراطية في الغرب تحكمها استطلاعات الرأي ...فسقطت الفرضية في بريطانيا و أمريكا . فهل هناك تحول في العالم ، و في إمكانيات التحكم المسبق في قرار الشعوب و المواطنين ؟ أكيد أن المؤشرات تقول أن العالم بصدد التحول ، و الشعوب صارت توجه بتقنيات و قناعات أخرى ، وبات التحكم فيها لا يخضع لنفس التقنيات والتوجيهات ... و فوز " ترامب " يعزز – ولو نسبيا- الطرح . مع الاحتفاظ على الوضع المبدئي بكون دواليب و كواليس" اللوبيات " لا زالت تتحكم في القرار . فماذا لو تتبعنا خطأ استطلاعات الرأي ؟ ... ففي العالم العربي و الإسلامي المعني مباشرة بتحول الخرائط و مصير الدول ، وإبطال مفعول معاهدة سايكس- بيكو ، رغم أنها لم تصل نضجا بعد لما وصلته استطلاعات الرأي ، وصلت هي أيضا لتأكيد التحول الذي يحكم موازين القوى الغير منتظر ، فبعد هيجان ما يدعى بالربيع العربي ، تمت الردة على الإخوان المسلمين في مصر ، رغم التفوق العددي الذي أبدته الحركة في تعاملها مع الشارع ، و مع الرأي العام... وتم تنصيب السيسي .. و في سوريا ، كل التحاليل و الاستطلاعات كانت تقول بزوال " الأسد " ، فلم يقع "الأسد " بعد ، وصار عنصرا حاسما في معادلة سوريا كما كان ... ... وفشلت استطلاعات الرأي أيضا في كولومبيا ، لإبرام الصلح مع الثوار ... و في المغرب .... وكما سبق أن رهننا التحليل – وليس استطلاعات الرأي – فازت العدالة و التنمية في الانتخابات رغم خيبات الحكومة التي قادتها ، وصار بنكيران أول رئيس حكومة تتم إعادة انتخابه لولايتين ... فمن سيحكم العالم بعد تيهان يقين استطلاعات الرأي ، و التنكر للتحليل و منطق السياسة ؟ أهي تحولات أخرى تساق وفق نظرية مضمرة ، تلغي كلاسيكيات التحليل و الجدل و الصراع... ، و تلغي بالضرورة نظرية " فوكوياما " حول نهاية التاريخ ؟ و متى سيعلن التوافق الجديد حول قانون و منطق الصراع و السياسة ؟