سخر بعض من بين صديقاتي وأصدقائي عندما كتبت على حائطي الفيسبوكي بأن مناخي لا يؤهلني للمشاركة في مهرجان العدالة المزاجية، في حين فهم البعض الآخر رسالتي، ونفس الشيء حصل مع ما كتبته عن «تعدد» الأعلام والرايات في الساحات. غير أن المثير في الموضوع أن موضوع الفتنة مقابل للفطنة وكذا الانفصال كمقابل للاتصال. موضوع لم يعد يتخذ شكل خريطة مادية، تعبر عن تنوع في التضاريس بنفحة إثنوغرافية واضحة، تتميز فيها الهويات عن بعضها البعض، وتتخذ لبوسا ثقافيا أو دينيا أو سياسيا متميزا.. فجميع المبادرات الجارية لا تخلو من تداخل وتقاطع أو التقائية موضوعية، ومع ذلك يظل العقل الأمني وحده المتحكم في التشكيل والضم والإدماج أو الفصل والتمييز فيما تلك الوحدات، التي تبدو غير متناغمة، لكنها تتجاذبها المصلحة المشتركة.
فليس غريبا أن نرى بعض الخرائط تتشكل تلقائيا دون تدخل فاضح لأي تبرير لنظرية المؤامرة.. هذا التقسيم الحاضر في الذهنيات والتمثلات.. وعلى سبيل المثال يمكن استدعاء الوقائع الجارية خلال العشرين يوما الماضية، لكي نفهم بعض المؤشرات أو مظاهر الاصطفاف والتموقع، كتمرين على محاولة استشراف الخريطة الحقيقة/ المضمرة.
فالمشهد المغربي أو العقل السياسي تتجاذبه أربع مناطق استقطاب... المنطقة الرمادية، وهي الأكثر سخونة، حيث الاحتجاجات عارمة، تروم الطعن معنويا في سياسات الدولة وحكومتها الانتقالية، انتقادا على انعدام البعد الإنساني والاجتماعي، اقترانا مع الطعن الضمني في حكومة مكرورة في طور التشكل المتعثر، حصل في حقها انتقاد من طرف الخطاب الملكي، مما يوحي بأن المنهجية الديموقراطية قد استنفذت شروطها بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز عدديا.. أما التفاصيل فتنطلق بانتهاء دور اقتراح الوزراء.. فمعالم الحكومة صارت واضحة، إثر خطاب المسيرة الملقى من فوق تراب داكار، العاصمة الروحية لإفريقيا.. وهذه الأخيرة تحتاج إلى حكومة تطور العلاقات الثنائية مع كافة أرجاء القارة، خدمة للقضية الوطنية والاقتصادية.. هذا الخطاب الذي كان حاسما عشية انعقاد مهرجان العدالة المناخية، على مستويين، بالمنطقة الخضراء، حيث ستتفاعل قوى المجتمع المدني، استهلاكا، مع منتوج المنطقة الزرقاء، كمنطقة أممية، حيث ستقرر الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة في مسألة «الانتقال» من مقتضيات الكوب 21 إلى التزامات الكوب 22، ليبقى السؤال أين نحن من المغرب العميق، المتعدد الألوان والمتنوع الأطياف والمسيرات، في ظل عالم رخص منذ الحرب العالمية لمجلس الأمن أن ينوب عنه في تدبير جميع شؤون الأمم من مال واقتصاد وتدين واعتقاد ومناخ وحروب وصناعة الثورات بكافة الألوان والرايات والبيارق.. فهاكم العدالة المزاجية، فوق كل سيادة وطنية، دون استقلال أو خطوط حمراء.