يعرف المشهد الحزبي المغربي حركة مد وجزر غريبة وعجيبة. إذ لم يعد يعرف من مع من ومن ضد من. سنحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على مجموعة من المشاهد، قبل أن نعرج للحديث عن أبجديات الفعل الديمقراطي المتجلية في وجود حكومة ومعارضة.
لكن قبل هذا وذاك، وجب التذكير بمجموعة من التصريحات للقيادات السياسية، الأحزاب الثمانية الكبرى.
- حزب العدالة والتنمية: بنى حزب البيحيدي برنامجه الانتخابي على فكرة رئيسية "مواصلة الإصلاح". كما أن عبد الإله بنكيران صرح أكثر من مرة بأنه واثق من تصدر حزبه لتشريعيات 2016، وهو ما تحقق فعلاً، إذ حصل الحزب على 125 مقعداً في سابقة من نوعها بالمملكة الشريفة؛
- حزب الأصالة والمعاصرة: بنى حزب البام برنامجه الانتخابي على فكرة رئيسية مفادها أن المغرب على وشك الانهيار، وذلك للأخطاء القاتلة لحكومة بنكيران المنتهية ولايتها. بل أكثر من ذلك، فإن حزب البام يستمد وجوده من محاربته للمد الإسلامي لحزب البيجيدي على الحياة السياسية. لكن بعد إعلان نتائج الانتخابات، فإن الحزب حصل على المرتبة الثانية بـ 102 مقعداً. بعد ذلك، سيخرج علينا إلياس العماري، في احترام تام للمنطق السياسي، بإعلانه اصطفاف حزبه نحو المعارضة. لكن سرعان ما سيتم الالتفاف حول هذا الإعلان بنشر رسالتين من أجل المصالحة التاريخية.
- حزب الاستقلال: بنى حزب علال الفاسي برنامجه الانتخابي على فكرة مركزية، أن البلاد تعيش أزمة حقيقية، من خلال ارتفاع حجم المديونية، وضرب للقدرة الشرائية للطبقة الفقيرة والمتوسطة. بل وعد مناصريه باحتلاله للمرتبة الأولى. إذ صرح حميد شباط أن لا وجود لقطبية سياسية. لكن لا شيء من هذا تحقق، إذ أن الحزب تقهقر نحو الخلف بحصوله على 46 مقعداً عوض 60 مقعداً المحصل عليها غداة انتخابات 2011. وبشكل سريع، أعلن حميد شباط، نية حزبه في المشاركة الحكومية، الشيء الذي تأكد بإجماع أعضاء المجلس الوطني للحزب المنعقد نهاية الأسبوع.
- حزب التجمع الوطني للأحرار: بنى حزب أحمد عصمان برنامجه الانتخابي، مدافعا عن حصيلة مشاركته في الحكومة المنتهية ولايتها. لكن حصول الحزب على 37 مقعداً فقط، لم تدع مجالا للمناورة لصلاح الدين مزوار، إذ سرعان ما أعلن استقالته من رئاسة الحزب، في تناغم تام مع الأعراف السياسية المتعارف عليها دوليا. بالمقابل، فإن دعوة عزيز أخنوش للرجوع للحزب في هذا الوقت بالذات، قوضت تلك الاستقالة. بل أكثر من ذلك، لا يمكن لأحد الجزم بموقع واختيار الحزب، هل سيكون في الأغلبية أم في المعارضة. الكل في انتظار ما سيسفر عنه المؤتمر الاستثنائي للحزب المزمع عقده يوم 29 أكتوبر الجاري.
- حزب الحركة الشعبية: حزب الزايغ، بنى هو كذلك برنامجه الانتخابي مدافعا عن خصيلة مشاركته الحكومية. لم تتأخر استجابة الحزب لنداء المشاركة في الحكومة المقبلة رغم ما قيل عن إحالة الموضوع على الأجهزة التقريرية للحزب.
- حزب الاتحاد الدستوري: بنى حزب الحصان برنامجه الانتخابي على فكرة عاطفية "الخير لي فيك"، لم تمكن الحزب إلا من 19 مقعد فقط. كان من الأفضل للحزب البحث عن نائب مكمل للفريق النيابي من بين الاحزاب الصغيرة الممثلة بقبة البرلمان. لكن الحزب فضل الارتماء في أحضان التجمع الوطني للأحرار، وعينه على مشاركة حكومية بعد 18 سنة قضاها بالمعارضة.
- حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: بنى حزب المهدي بنبركة برنامجه الانتخابي على فكرة مبتكرة و جديدة تتعلق بـ 5 أولويات، 55 كفى و555 إجراء. يتبين من خلال هذه الفكرة أن الحزب لا يتفق مع البيجيدي على الأقل في 55 مسألة. رغم كل هذا، لم يتأخر إدريس لشكر في إعلان إمكانية المشاركة في الحكومة بمعية حزب الاستقلال.
- حزب التقدم والاشتراكية: لم يستفق بعد حزب علي يعتة من الزلزال الذي ضربه ليلة 07 أكتوبر، بعد حصوله على 12 مقعدا منها 07 مقاعد فقط محليا. لكن على الأقل، يبقى الحزب منسجما مع قناعاته. إذ صرح نبيل بنعبد الله قبل الانتخابات بان حزبه سيتحالف مع البيجيدي، سواءً بالأغلبية أو المعارضة.
بعد هذا العرض المفصل لمواقف الأحزاب الرئيسية، قبل وبعد استحقاقات 07 اكتوبر 2016، وجب التذكير، أن الديمقراطية الحقة تقتضي النزاهة والشفافية، تداول السلطة، مشاركة فاعلة للنساء والشباب، لكن تقتضي بشكل أكبر وجود حكومة قوية ومنسجمة، وكذلك معارضة حقيقية قادرة على مجابهة الحكومة بعرض البدائل والحلول.
بمتابعتنا لما جرى الأسبوع الماضي؛ من هرولة الجميع نحو المشاركة في الحكومة. لم يتبق في المعارضة سوى نائبين عن الفيدرالية وتائبين عن اليسار الأخضر والوحدة والديمقراطية. هل يمكن لمعارضة مكونة من 04 نواب أن تقوم بدورها الدستوري؟
نعود للمعطى الثابت لحدود الساعة، عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المكلف، لنعرض عليه تساؤلاتنا.
- هل البلاد في حاجة لحكومة ائتلافية موسعة، أم لحكومة بأغلبية منسجمة ومعارضة قوية؟
- ماذا ستقول لحوالي مليوني ناخب، إن قبلت بتشكيل حكومة مع خصمك اللدود، حزب الأصالة والمعاصرة؟
- ماذا ستقول للمغاربة، إن قبلت التحالف مع من وصفته "هبيل فاس" و"بوودينة"؟
- ماذا ستقول للمغاربة، إن قبلت بالتحالف مع من حذر من انزلاق المغرب نحو المستنقع السوري، إن فاز حزبك بالانتخابات. بل وصفك ذات يوم غير بعيد بأنك "سفيه" ورددت عليه بأنه أكبر "سفيه"؟
- ماذا ستقول للمغاربة، إن تخليت عن حلفائك السابقين، ألم تحصل على الرتبة الأولى بفضل حصيلتكم الحكومية، أم حصيلة حزبك فقط؟
أعرف جيدا، أن عبد الإله بنكيران، عينه على ولاية ثالثة ورابعة وخامسة، كما سبق له أن وعد أعضاء حزبه، قبل سنتين في تجمع خطابي حزبي. وعليه، فإن بنكيران سيفكر ألف مرة قبل قطع الشك باليقين، واضعا نصب عينيه، المثل المغربي المعروف "ألف تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص".