في هذا الحوار مع عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، يتحدث عن أسباب ظاهرة "شرع اليد"، وذلك على خلفية اعتداءات مواطنين على شخصين بضواحي آسفي، وكيف أن المقاربة القانونية غير كافية لوضع حد لها.
+هل من تعريف لـ"قضاء الشارع"، كما تم تداوله مؤخرا؟
++ظهر مصطلح " قضاء الشارع " أو " قضاة الشارع "، مؤخرا في المغرب في وسائل الإعلام بشكل لافت للدلالة على ظاهرة اجتماعية متمثلة في قيام الأفراد أو الجماعات باقتضاء حقوقهم بأنفسهم أو القصاص لحقهم أو للحق العام بأيديهم دون انتظار تدخل مؤسسات الدولة الشرطية والقضائية منها، كما يعبر عن هذا الفعل اجتماعيا بـ"شرع اليد" وهي كلمة تستعمل في الدارجة لنفس المعنى.
وقد طفت الحوادث المرتبطة بهذا الأمر كثيرا في السنوات الأخيرة، بحيث تهجم في العديد من المرات، بعض الناس على شخص أو أكثر نتيجة لارتكابهم فعلا معينا، تم اعتبارهم من طرفهم إما تعديا على الدين أو الأخلاق الاجتماعية السائدة أو حتى على القانون نفسه. وبالتالي أصبحت الظاهرة مقلقة جدا، ولا أدل على ذلك من كونها أضحت حديث الإعلام والرأي العام والجمعيات الحقوقية.
+ماهي في نظرك أسباب هذه الظاهرة؟
++إن البحث عن جذور ظاهرة "شرع اليد" في المغرب سوف يقود بكل تأكيد إلى أن أنها ليست جديدة بالمرة، بل هي مرتبطة بثقافة اجتماعية متجذرة لدى أفراد المجتمع والتي تقضي بعدم السماح في الحق الشخصي لكون ذلك يعد جبنا أو بعدم التطبيع مع السلوكيات التي تعتبر مرفوضة اجتماعيا أو قانونيا أو دينيا، وبالتالي لا يتصور مثلا، أن يجد شخص أحد يمارس العلاقة الجنسية بشكل علني أو يفطر رمضان أو يجاهر بالمثلية الجنسية بشكل علني، دون أن يكون هناك رد فعل اجتماعي تجاه مرتكب مثل هذه الأفعال، وطبعا قوة الرد هاته قد تختلف من منطقة جغرافية لأخرى ومن البادية إلى المدينة وهكذا، إلا أن عدم الرد بشكل نهائي ليس مضمونا، ويبقى الجديد في الظاهرة ؛إذن هو خروجها إلى الإعلام وتناولها فيه من عدة زوايا، أهمها ربطها بالتطرف الديني أحيانا والعنف الاجتماعي أحيانا أخرى أو الجمع بينهما، وذلك بسبب انتشار الخطاب الحقوقي ونشاط الجمعيات المدنية ذات التوجهات الحقوقية الكونية. وبينما ترتبط الظاهرة في عدة دول بالمجموعات ذات التوجهات الدينية التي تدخل رد الفعل هذا في باب "النهي على المنكر" اعتمادا على تفسيرها لنصوص دينية معينة وفق فهمها الخاص لها، فإن الأمر في المغرب على خلاف ذلك في غالب الأحوال، إذ يرتبط الأمر برد فعل تلقائي من طرف شخص أو مجموعة تجاه مرتكب فعل يعتبر وفقا لاعتقادهم مخالفة أو مخلا بالحياء أو اعتداء على الدين أو غير ذلك من التكييفات التي تعطى لهذا الفعل. وهو ما يدفع إلى البحث في مسببات الظاهرة التي نذكر أنها ليست جديدة بالمغرب.
يمكن اعتبار أن مسببات الظاهرة متعددة، بحكم أنها تشكل ثقافة اجتماعية لدى فئات عريضة من عامة الناس، تنطلق مما هو ديني وثقافي وتعليمي ونفسي، إذ أن فهم الدين وفق تصورات أحادية متواترة عبر العصور مع ثقافة اجتماعية تعتمد على بث وزرع بعض الأفكار الخاطئة حول مفاهيم معينة، مثل مفهوم الرجولة والشجاعة والشهامة والنظر لوضعية المرأة وغيرها، وتكريس ذلك بوعي أو بدونه في برامج التعليم، فضلا عن الجانب النفسي للأفراد والجماعات الميال أحيانا للعنف بفعل التنشئة الاجتماعية أو بفعل المؤثرات الخارجية الأخرى ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة، ولذلك فإن علاج الظاهرة والتعاطي معها لا بد وان ينطلق من هذه المسببات وتصحيحها أولا.
+ كيف يمكن سعي هؤلاء إلى تطبيق القانون وفي نفس الوقت خرقه؟
++نشير في البداية إلى أن هذه الظاهرة بالمغرب وفي العديد من مظاهرها لا تعتبر رفضا للقانون ولسلطان الدولة في توقيع العقاب، كما هو حال ما تؤمن به وتقوم به المجموعات الدينية المنظمة، بل بالعكس هناك إيمان بدور القانون ومؤسسات الدولة، لكن مع ذلك يتصرفون بهذه الطريقة، ولا أدل على ذلك انه يتم أحيانا القيام برد فعل من طرف الأفراد بشكل تلقائي باستخدام العنف تجاه مرتكب الفعل المسبب "للاستفزاز الاجتماعي"، ثم يسلم لاحقا إلى السلطات أو يتم استدعاؤه لنقله ومحاكمته إذا كان الفعل يشكل مخالفة للقانون، دون وعي منهم - غالبا - كون ما قاموا به، أيضا، يشكل فعلا مجرما قد تكون عقوبته اشد من الفعل الذي ارتكبه الشخص المعني بالظاهرة.
وأما بالنسبة للقانون المغربي، فإنه وإن لم يخصص للظاهرة مقتضيات قانونية خاصة، فإن الأفعال التي يتم ارتكابها تخضع للقانون الجنائي المغربي ويتم تكييفها من طرف النيابة العامة حسب نوعية الفعل المرتكب، بحسب ما إذا كانت ضربا أو جرحا أو عنفا أو غير ذلك من الأفعال المشكلة للجريمة والتي يتم تكييفها كذلك إما جنحة أو أو جناية بحسب خطورة الفعل ونتيجته، وفي جميع الحالات التي حصلت في المغرب خلال السنوات الأخيرة تفاعلت معها النيابة العامة وأصدرت بلاغات وقامت بفتح أبحاث أفضت إلى تقديم المتهمين في هذه الحالات إلى العدالة ، وكان آخرها حادث مماثل وقع ضواحي مدينة آسفي مؤخرا. إلا أنه مع ذلك بقيت هذه الظاهرة تتكرر باستمرار.
+ رغم هذا الزجر القانوني، مازال شرع اليد منتشرا، لماذا؟
++إن المقاربة القانونية بشكلها الحالي والتي تعتمد على النصوص العامة للقانون الجنائي يمكن القول أنها لم تعد كافية، بحكم أن الظاهرة أصبحت بحاجة إلى تخصيصها بمقتضيات جنائية خاصة تستجيب لمتطلبات محاربة الظاهرة من حيث ضرورة استيعاب بعض الأفعال والرفع من العقوبات، ما دام أن النصوص العامة لهذا القانون لم تعد تفي بالغرض المتمثل بتحقيق الردع العام والخاص. إلا أنه مع ذلك ومهما كان النص الجنائي شاملا فإنه لا يكمن تحقيق نتيجة مهمة ما لم يتم القضاء على مسببات الظاهرة بالشكل المشار إليه أعلاه، من فتح نقاشات مجتمعية حول بعض المفاهيم الاجتماعية والعمل على تنفيذ التوصيات والمخرجات وفق برامج تشرف عليها جهات مكلفة بالثقافة وفق مقاربة تشاركية مع جمعيات المجتمع المدني المؤهلة، ونفس الأمر يقال على الجانب الديني والتعليمي والسلوكي، وما لم تعتمد الحكومة بجميع أجهزتها على حملات تحسيسية وتوعية تجعل أفراد المجتمع جميعا يقتنعون ويؤمنون إيمانا مطلقا بأن من مصلحة المجتمع ككل ومصلحة الأفراد أن تحتكر الدولة سلطان التشريع والعقاب، وان منطق "شرع اليد" أو " قضاء الشارع" إنما يولد الفوضى التي ليست في مصلحة احد، فإن المقاربة القانونية، في ظل غياب هذا التوعية، ستبقى مهما كانت ناقصة.