كثيرة هي المدخلات الجديدة التي يفترض التعامل معها كي يستقيم تحليلنا ، من أرقام الكتل الناخبة في مجملها ، إلى نسب المشاركة ، إلى المشروعية الانتخابية ، إلى الشرعية الشعبية ... ثم أن الأمر يستحق منا جميعا إعادة النظر في منهجية تحليلنا و قاعدة معطياتنا ، ارتباطا مع تحول المشهد السياسي المغربي ، في جزئه الحزبي أولا ، وصولا إلى كل مستويات المسؤولية في الدولة ، مع اعتبار و تبني تفاعل المكونات كلها ، بمن فيها المواطن أو المريد أو الرعية .. قد نتيه مرة أخرى في حسابات تقنية و رقمية لتشكيل و تشكيلة حكومة ، ستجد أمامها واقعا مركبا و بإكراهات عدة ، مما يفرض و يفترض منها الكثير من الجرأة السياسية . و الواقعية تقتضي الالتزام بتدبير المرحلة الجديدة ، و هي ليست ، ولن تكون بالسهلة في تاريخ المغرب ، رغم ما يبدو من تجاوز ،و تأجيل ،و تساهل ،و هدنة ، في التعامل و التعاطي لقراءة المشهد ... و مرحليا لا بد من الوقوف على السياقات العامة الذي تمت فيها انتخابات 7 أكتوبر. ففيما يخص السياق الحزبي ، وهو سياق تميز بمحاولة إبراز قوة المعارضة بقيادة حزب الأصالة و المعارضة ، و بعض الأحزاب الأخرى كالاتحاد الاشتراكي ، وقد اعتمد حزب الأصالة و المعاصرة مقاربة إعلامية هجومية على حزب العدالة و التنمية ، في غياب ملفت لطرح مشروعه بشكل واضح و مستقل ، كما أن اعتماده على ترشيح الأعيان في غياب الارتباط العضوي مع الحزب و قواعده أدى إلى نتائج عكسية ، و أثر على الكتلة الناخبة بشكل عام ، رغم أن حزب الأصالة حقق تقدما كبيرا مقارنة مع استحقاقات 2011 . وهذا راجع أيضا لاختلاف السياق بين 2011 و 2016 . مع الإشارة أن المنتمين لحزب الأصالة و قواعده الانتخابية ، يعتبرون كتلة غير منسجمة و غير قارة ، و قابلة للاستمالة و التحول ، حسب مواقع المصالح و الأهداف الخاصة . أما بخصوص حزب العدالة و التمنية الفائز بأغلبية و بإضافة مقاعد أخرى لرصيده ، فقد استفاد أولا من انضباط قواعده و ناخبيه و انسجامه الداخلي ، فقد أكدوا أنهم قادرين على التحدي و التصويت بكثافة للحزب ، بغض النضر على النتيجة ، رغم تخوفهم و تشكيكهم في المسلسل الانتخابي ، وفي المنهجية ، حتى محاولة ابتزازهم للدولة و تبني المظلومية ، و هنا لا بد من الإشارة أن الحزب استفاد من مجموعة من الوضعيات و المناوشات التي سبقت محطة 7 أكتوبر، و منها المسيرة الغير موفقة ضده بالدار البيضاء و التي كانت مفبركة بإخراج رديء ، وأعطت نتائج عكسية ، وإشهار سيء للمختلفين مع إيديولوجيتها و مسارها و حصيلتها .. وفي نفس السياق ، و بالنسبة للأحزاب الأخرى التي تراجعت ، كحزب الاستقلال ، و التجمع الوطني للأحرار، و الاتحاد الاشتراكي ، فقد كان نتيجة لتدبدب الوضع التنظيمي ، بالنسبة للإتحاد الاشتراكي و حزب الاستقلال على الأقل ، مما ساهم في تشتيت و توزيع أصوات مناصريهما ، على حزب العدالة و التنمية بالنسبة للاستقلال ، و الأصالة و المعاصرة و فيدرالية اليسار و غيرها بالنسبة للإتحاد الاشتراكي . أما حزب التجمع و الأحرار ، فقاعدته بقيت مرهونة بقوة مرشحيه و إمكانياتهم المادية لاستمالة الناخبين . كما يبقى المكون اليساري الجديد على المنافسة البرلمانية ، أي فيدرالية اليسار، من المكونات التي أثارت نقشا كبيرا و جدلا في الساحة ، أولا بحكم الخطاب الذي تبنته ، وثانيا بحكم الحلم اليساري الذي استمال العديد من المتعاطفين نظريا مع التوجه و الخطاب ، لكن هؤلاء المتعاطفين لم يكن العديد منهم مستعدا للمنافسة في شكل التصويت و صناديق الاقتراع و التعبئة و المجهود المناسب ، فعدد منهم غير مسجل حتى في اللوائح الانتخابية ، وهذا أمر هام و خطير في تحديد المستقبل . كما أن القدرة التنافسية للفدرالية كانت ضعيفة في الواقع ، قوية في الخطاب ، و الدليل أن نبيلة منيب لم تحسم المنافسة في الدائرة الانتخابية ، حتى تثبت جدارتها في الوصول إلى البرلمان ، إذ اكتفت بترؤس اللائحة الوطنية ، مستكينة لكون العتبة انحدرت إلى 3 في المئة . وهو ما اعتبره العديد من المتتبعين مؤشرا على إمكانية فوزها ، و العكس هو الذي حصل ، مما يعني أن الفدرالية انساقت وراء حلم التمثيل بأقل تكلفة ، وهو خطأ تكتيكي بالنسبة لليسار مرحليا . مع التأكيد أن النفور الذي تشهده عائلة اليسار بشكل عام ، في غياب مكونات يسارية أخرى ، ومنها حزب الاتحاد الاشتراكي ، داخل المشروع اليساري يعتبر كابحا و مؤجلا لكل إستراتيجية محتملة . وقبل ختم هذا الباب ، نسجل تقهقر حزب التقدم و الاشتراكية الذي غامر بكل رصيده ، بل استهلكه من خلال المقاربة -البراغماتية النشاز- التي اعتمدها ، وكان الضحية التي أدت ثمن أخطاء مكونات الأغلبية و المعارضة في نفس الآن ، رغم محاولة استعانته بالأعيان و الكائنات الانتخابية . .. يتبع..