لا يمكن المثقف المغربي إلا أن يعيش وعيا شقيا يعبر عن شعوره التراجيدي بين انتظاراته كحامل لمشروع إنساني مستقبلي وبين الصفعة التي وجهتها له اختيارات صناديق الاقتراع التي قالت له بفادح العبارة إنه لا شيء في النسيج العام. وكمثقف كذلك لا يمكنه إلا التعالي على جرحه لمعرفة ماذا حدث ويحدث، فهذه المهمة النقدية التفسيرية هي ما يمثل كينونته كمثقف.
أعتقد أن ما حدث غداة اقتراع 7 أكتوبر يدل بالملموس أننا بعيدون تماما عن مفهوم المثقف المنخرط في صيرورة الواقع الفعلي للمجتمع والتاريخ على عكس الأوهام التي حملناها ونحن نتربى على الموروث الأنواري لكل الثورات التي شهدها التاريخ الإنساني. لقد صوتنا لصالح اليسار المغربي وساندناه لكننا احتللنا المرتبة الأخيرة لأننا بالفعل نحتل المرتبة الأخيرة في الحياة العامة ولا نمتلك الفضاء العام وخطابنا التنويري بعيد عن حقيقة الشارع لا لأنه خطاب مغلوط،بل لأنه لغة العقل والحكمة والنقد والانفتاح على الكونية الإنسانية هي لغة لا يفهمها الفضاء العام والموروث التقليدي والانتظارات الشعبوية ما دام أن تاريخنا لم ينجز بعد عصر نهضته الخاص. وليست نتائج الاقتراع إلا الجواب المتأخر عن تلكؤنا في دخول الحداثة في شكلها الكوني وليس الحداثة التلفيقية التي تحاول المصالحة بين ما لا يقبل المصالحة.
لا نستغرب أن العاطفة الدينية لا تزال هي التي تحكم الاختيارات حتى لدى عدد كبير من مثقفينا باسم الهوية والخصوصية والاستثناء. وعلى هذه الأرضية لا يمكن للمثقف التنويري أن ينازل الداعية الديني الذي يتخفى وراء المسوح السياسية، ولعل معركة نظام التقاعد أكبر دليل على ذلك، حيث انخرط كثير من المتضررين من هذا النظام وراء الحزب الذي أجهز على أرزاقهم فقط لأن الحس الديني وليس المصلحة هو الذي يسود ويحكم الاختيارات في نهاية المطاف.
إن المثقف الذي يراهن على التغيير من خلال الانتخابات ينسى أن الديمقراطية ليست مجرد ورقة نضعها في صندوق بل هي تعبير عن قدرتنا على إعمال العقل والحوار والجدال المفتوح أمام الجميع للمشاركة في الحياة الاجتماعية بكل حرية ووعي. ومادام الداعية الديني والحاكم السياسي والعقل القبلي هم الذين يحكمون توجهاتنا فلا ننتظر إلا مثل هذه التراجيديات المضحكة.