أن حزب العدالة و التنمية الذي تصدرها كان يقود الحكومة الائتلافية التي عشنا في عهدها العديد من الوقفات و المسيرات و الاضرابات التي خاضتها عدة فئات من شعبنا - عمال ، موظفين ، طلبة ، عاطلين ...- احتجاجا على قراراتها التي أضرت بالغالبية الساحقة من شعبنا . أن الفقر و الهشاشة و السكن غير اللائق انتشر بشكل خطير ببلادنا بسبب انعدام فرص الشغل ، و ضعف الأجور التي لا تلبي أبسط الحاجيات ، فبالأحرى أن تضمن عيشا كريما للمواطنين . أن الخدمة العمومية والخدمات الاجتماعية ، من تعليم و صحة و سكن و غيرها ، و التي تعتبر من مسؤولية الدولة الأولى توفيرها ، تسير ، و وفق سياسة حكومية ممنهجة و واضحة ، في اتجاه الاندثار لفائدة الرأسمال الذي أصبح يستثمر فيها و يستغل الإنسان المغربي أبشع استغلال . يكفي أن نطلع على الأرقام من قبيل تكلفة الدراسة اليوم بالمدارس الخصوصية و تكلفة الاستشفاء بالعيادات الخاصة ، لنكتشف خطورة الوضع الاجتماعي الناتج عن هذا الاستغلال . هذا دون أن نتحدث عن غياب تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعليم و الصحة و غيرهما . أن الإدارة المغربية ، و بدل أن تكون في خدمة المواطن كما هو متعارف عليه عالميا و كما هو منصوص عليه في القوانين و التشريعات ، ما زالت تشكل عنصر معاناة للمواطن ، و ما زال الفساد و الرشوة ينخر مرفقها ،علما أن إصلاحها لا يتطلب إمكانيات مالية ، بل فقط إرادة سياسية و تحمل الحكومة باعتبارها مسؤولة عن تدبير الشأن العام لمسؤوليتها و هو ما لم تقم به خلال ولايتها السابقة التي عرفت ترديا كبيرا على هذا الصعيد . أن اقتصاد الريع و الامتيازات و استغلال إمكانيات بلادنا من طرف فئات قليلة ما زال متواصلا ، بل انتعش كثيرا في ظل هذه الحكومة التي أبانت عن عجزها و عبر عنه رئيسها في غير ما مناسبة دون أن تكون له الشجاعة لكي يقدم استقالته كما هو الحال في الدول الديمقراطية حقيقة لا شكلا . لهذه الاعتبارات و غيرها كثير ، كنت أنتظر تغييرا و لو طفيفا في النتائج ، خاصة مع دخول فيدرالية اليسار الديمقراطي بقوة ، مدعومة من طرف الطبقة العاملة المغربية ممثلة في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، و من طرف فئات واسعة من مثقفين و مفكرين و فنانين و غيرهم . إلا أن هذا لم يحدث بالشكل الذي كنت أتوقعه لسبب أساسي من وجهة نظري ، و هو استمرار ظاهرة العزوف و المقاطعة التي تطال على الخصوص فئات واسعة و واعية من شعبنا ، و هي بطبيعتها معارضة لسياسة الحكومة و لسياسة الدولة ، و كان يمكنها أن تغير ، و لو قليلا هذه الخريطة لو وعت أهمية مشاركتها و تنازلت عن أنانيتها و اعتقادها الخاطيء أن المقاطعة يمكن أن تحدث يوما ما تغييرا ما . لذلك فإنني و إن شعرت بخيبة ، فانني لم أفقد الأمل في عودة الوعي إلى شعبنا بكافة فئاته و إدراكه أن لا طريق للتغيير و لبناء المجتمع المغربي الجديد ، مجتمع العدالة و الكرامة و الحداثة و الديمقراطية ، إلا بالمشاركة الواعية المبنية على تحليل موضوعي للواقع و على وضع الثقة في مناضلات و مناضلين أثبتوا كفاءتهم و نزاهتم و نضاليتهم ..إنها رسالة المستقبل الذي يجب أن نشرع في بنائه من الآن بثقة و أمل .