أندري موروا ( روائي فرنسي ) هذه المقولة رغم قصرها تحمل في طياتها أصل العديد من المشاكل التي تنخر مجتمعنا في مجال التواصل بين مكوناته ، أفرادا و جماعات ، ذلك أن الواحد منا ، و دون معرفة شاملة و صحيحة بالموضوع الذي يكون مثار نقاش ، يحاول التحدث فيه و مناقشته ، و الأخطر من كل ذلك الدفاع عن وجهة نظره حتى و لو كانت خاطئة ، و في أحسن الحالات تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ . و تصبح للموضوع تداعيات و نتائج كارثية أحيانا على المجتمع بأكمله حين تنتقل عدوى التشبث بالرأي ، و لو كان خاطئا ، إلى تنظيماته السياسية و النقابية التي تقع على عاتقها مسؤولية تنظيم هذا المجتمع و تأطيره ليكون قادرا على المشاركة في تدبير أموره و الدفاع عن هذه المشاركة في حالة تدخل الدولة أو بعض الجهات المستفيدة من عزوفه و غيابه لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه . لذلك و انسجاما مع هذه المقولة العميقة و الدالة ، فإننى أرى ضرورة مراجعة أفكارنا باستمرار و تطوير معارفنا ، حتى نكون قادرين على فهم الأحداث المتسارعة في بلادنا ، و في العالم ، و بالتالي محاولة ، جهد المستطاع ، التأثير فيها بما يخدم مصلحة وطننا و مصلحة شعبنا التواق إلى الحرية و العدالة و الديمقراطية . و في نفس الإطار فإنني إستنتجت من هذه المقولة فكرة غاية في الأهمية ، و هي أننا لو آعترفنا بمستوانا المعرفي ، لكان كلامنا و نقاشنا على قدر هذه المعرفة ، و لوفرنا على أنفسنا الكثير من الكلام " الفارغ " للأسف ، و الكثير من الجهد الذي نبدله في إقناع بعضنا البعض بآراء و أفكار قد لا تكون صائبة كلها ، أو في محاولة ترميم ما " تكسر " نتيجة خلافات ترتبت عن هذا النقاش الذي نقول عنه أحيانا أنه نقاش عقيم ، و السبب فعلا ما أشار إليه موروا من كوننا نجهل عناصر و مكونات وجهة النظر التي ندافع عنها . خلاصة أساسية من وجهة نظري طبعا ، و هي أننا مطالبون بالإقلال من كلامنا و نقاشنا الذي غالبا ما يكون مكرورا نتيجة جمود الواقع الذي نعيشه ، و إن بدا لنا أنه يتحرك ، و أن نفكر أكثر و نبدع أشكالا متقدمة لتحريك هذا الواقع الراكد ، بالاعتماد على الفعل أكثر من الكلام ، و على الفكر أكثر من وجهات نظر عامة و فضفاضة ، خاصة في زمن الحملة الإنتخابية هذا ، و الذي يكثر فيه هواة الكلام الفارغ من السياسيين و من غيرهم ممن لا يفقهون ، لا في السياسة و لا في الاقتصاد و لا في الفكر و الثقافة و الفنون و لا في قضايا و مشاكل المجتمع ، و مع ذلك تراهم يتحدثون في كل هذا و يحاولون إقناعنا بوجهات نظرهم التي تفتقد إلى المعرفة الضرورية .