توصلت برسالة نصها كالتالي: "إن رهان الانتخابات التشريعية الحالية هو رهان وطني لأن نتائجها ستحدد من سيرأس ويشكل الحكومة المقبلة" د. سعد الدين العثماني.
لست أدري هل هي خاصة أم عامة، وبالنسبة لي فالرهان هو دمقرطة المشهد ومساءلة التجربة من خلال محاسبة مكونات الولاية التشريعية، خاصة في مجال القانون.. فكم عدد مقترحات القوانين تقدم بها نواب الأمة؟ وما هي نسبة مساهمة النواب في تنزيل الدستور من خلال المخطط التشريعي المحدد من قبل مجلس الحكومة، على الاقل في العلاقة مع حقوق الانسان؟ وهل يعقل اختزال العملية الانتخابية في مجرد فرز من سيشكل الراس الثانية للسلطة التنفيذية.. والحال أن هذا يكرس مصادرة اختصاصات السلطة التشريعية ليظل مجلس النواب مجرد غرفة للمصادقة، حتى لا نقول غرفة للتسجيل؟ فما جدوى الاقتراع وتداعياته من صراع، إذا كان سيفرز رؤساء لا يتقنون سوى التنازل عن صلاحياتهم الدستورية ضدا على إرادة الناخبين؟
تلك كانت رهاناتي، ولكن رسالة الدكتور، وهو المختص في الطب النفساني، استفزت ذاكرتي واستخرجت مقالة من بين مقالاتي التي كتبتها بمناسبة تحامل الغرب على حلفائه التقليديين ومن بينهم المغرب، فقررت إعادة نشرها في ضوء افتراض سيناريو ثالث، احتياطي، على وزن الخيار الثالث، وأنا متوجس من المخاطر التي تتهدد عملية الاقتراع بحكم التسيب والإطلاقية في الأحكام، وما يرافقها من توتر واحتقان ونحن في عز الدخول الاجتماعي الركيك الإخراج والسيء العواقب .
إن العقل الأمني داخل الدولة هو ثمرة توافق بين المكونات، يهتم بالتوازنات العامة في المدى المتوسط، وباعتبار أن الموعد الانتخابي هو لحظة ديموقراطية بالنسبة للمجتمع السياسي والثقافي، فإنه يرى اللحظة لحظة لا يقين وغموض، وبالتالي ما يهم هو ضمان استقرار الحال على ما كان عليه، وكل إصلاح حقيقي وجذري ينبغي في نظرهم التحكم فيه.. لذلك لم يعد يتم الاهتمام بموضوع العزوف عن السياسة ولا بضرورة ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات، وهو أنها تؤدي حتما إلى صعود تيارات مغمورة قد تخترق المشهد عبر لوائح الإسلاميين «المعتدلين» وبدعم بالتصويت من غيرهم من نفس المرجعية.
من هنا لا ينبغي الرهان على توسيع رقم المشاركين فظروف مشاركة أوسع للمواطنين في الانتخابات غير متوفرة لدى الأحزاب نفسها. وهذا إشكال حقيقي لأن الخريطة ستبقى نفسها، الفرز سيظل ذاته، وهذا يؤشر لخلاصة لا مناص منها كأمر واقع، هو أن بعض الأحزاب التي دأبت على المشاركة ستواصل مجهودها لأجل تحصين موقعها دون طمع في تحسينه، في ظل قاعدة "الشقاء من أجل البقاء"، وهو ما سيتطلب تنازلات باسم البراغماتية، وبعلة التحالف التكتيكي ستنخرط في التسويات وربما مساومات، قد تفيد في ضمان الكينونة على مستوى المشهد المؤسساتي ولكن على حساب الوجود التنظيمي والمؤسساتي.
لذا ومادامت التسويات ستكون فوقية وعلى حساب الديموقراطية الداخلية للهيئات، وهذا إقرار بوجود تأجيل إرادوي للحظة الديموقراطية، التي في نظر هؤلاء لن تفرز سوى مزيد من تصاعد المحافظة والتحكم، فلماذا لا يتوافق الجميع على سن استراتيجية لإعادة تأهيل منهجية تفعيل مقتضيات الدستور، وتجويد التأويل ديموقراطيا، فلا يعقل أن يتم التوافق على تشريع الدستور تشاركيا، في حين أسندت مهمة تفعيل مقتضياته ضمن قوانين تنظيمية لحكومة غير ائتلافية ولا تجسد الحكمة من المقاربة التشاركية .
أعتقد أن ما يجري من حولنا يقتضي تشكيل حكومة وطنية ينحصر دورها، انتقاليا، في تدبير المرحلة، من القضية الوطنية إلى مناهضة الإرهاب والدفاع عن السيادة الوطنية، عبر استكمال تنفيذ توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة وكذا مقتضيات تقرير الخمسينية حول التنمية وتأهيل الاقتصاد وهي مهام لابد للدولة أن تنخرط فيها كفاعل رئيسي وبمسؤولية اجتماعية، خاصة وأنها الضامنة للاستقرار بالمعنى الذي يضمن ثقة «الخارج» المفيد في مجال السلام العالمي وجلب الاستثمار المنتج للثروة الوطنية.. فليس المفهوم الجديد السلطة كافيا، بل لابد من إرساء مفهوم جديد للعدل، منطلقه ومنتهاه الديمقراطية.