أعادت فاجعة طنجة التي تعرض فيها شاب للتعنيف على يد قائد وأعوان سلطة يوم 12 أبريل 2018، تجاوزات بعض رجال السلطة إلى الواجهة، بشكل يثير المخاوف من وجود إما انفلات في السلطة المركزية، للتحكم في موظفيها أو أعوانها، وإما (وهذا هو الخطير) وجود حنين إلى عهد الهراوة والشطط، مثلما كان سائدا في عهد إدريس البصري. هذه المخاوف مسنودة بمعطيات ملموسة تورط فيها رجال السلطة المشرفين على تطبيق القانون، بحيث لم تكن حالة طنجة بالحادث المعزول، بل جاءت في سياق شلال من الاعتداءات التي قام بها ممثلو الدولة بالباشوات والقيادات عبر التراب الوطني.
وحسبنا هنا التذكير بالحالات المؤلمة التي وقعت مؤخرا:
أولا: قائد بالمحمدية يعتدي، رفقة أعوان السلطة، على شاب بعدما طرحوه أرضا وأشبعوه سلخا أمام أنظار المواطنين يوم 3 ماي 2018.
ثانيا: قائد بجماعة الساحل أولاد حريز (إقليم برشيد) يساق إلى استئنافية سطات (رفقة شيخ ومقدم) من طرف مواطن اتهمهم بالابتزاز والتهديد رغم توفره على كل التراخيص للقيام بأشغال فوق أرضه. هذا الملف تولته سرية درك برشيد.
ثالثا: باشا تابع لنفوذ مدينة بنجرير يعربد رفقة خليلته في حالة سكر على رجال الشرطة مما أدى إلى اعتقالهما لتتحرك الهواتف ويطلق سراح الباشا ويتم الاحتفاظ بالخليلة (الحالة وقعت يوم 21 مارس 2018).
رابعا: أمن أزرو يضطر إلى التدخل بعدما تناسلت الاتهامات بالابتزاز والتهديد ضد قائد وعوني سلطة (13 مارس 2018).
خامسا: حقوقيون بمدينة بويزكارن يحتمون بالوكيل العام للملك باستئنافية أكادير ضد قائدين (المقاطعة 1 و2) اللذين اعتديا على الفاعلين الحقوقيين بالضرب (7 مارس 2018).
سادسا: حقوقي آخر يتعرض للتعنيف على يد عون سلطة بسيدي سليمان (7 مارس 2018).
سابعا: احتجاجات ضد باشا بوجنيبة باقليم خريبكة تضطر وزارة الداخلية إلى توقيف رجل السلطة المذكور (26 فبراير 2018).
ثامنا: توقيف قائد مقاطعة بمدينة مرتيل (18 يناير 2018) إثر تكاثر الشكايات ضده وتكاثر مشاكله التي ساءت بذكرها الركبان بمرتيل.
هذه الحوادث تساءل رئىس الحكومة سعد الدين العثماني وتساءل وزيره في الداخلية عبد الوافي لفتيت حول أسباب العطب الذي لحق بجهاز رجال السلطة، وهو عطب من شأنه أن يشكل إحراجا للمغرب على المستوى الدولي، خاصة وأن كل كشافات ضوء المنظمات الدولية مسلطة حاليا على الوضع الحقوقي ببلادنا لتصيد أي هفوة أو كبوة يرتكبها الساهرون بإعمال وإنفاذ القانون.
فالمواطن لما ينشر «هيضورة» في «بالكون» شقته ترسل له الدولة كوماندو من الأعوان لزجره وتغريمه بدعوى عدم احترامه للمساطر.
والمواطن حين يتأخر في تسديد غرامة أو ضريبة تعبئ الدولة كل هياكلها لحجز حساباته بالبنك وحجز شقته أو حجز محله التجاري.
والمواطن حين يهين موظفا أثناء مزاولة مهنته «تقرقب» عليه الدولة في الحال ويتم إيداعه السجن.
لكن (ولابد من قول لكن)، حين يتورط ممثل الدولة في التعذيب أو التعنيف أو تجاوز المساطر المنظمة لعمل رجال السلطة تصاب عضلات الدولة بالترهل والارتخاء، ولا يتم في أحسن الأحوال، سوى إدخال الباشا أو القائد إلى العمالة أو الإقليم إلى حين هدوء الضجة ومرور العاصفة، ليعاد توطين المسؤول المتورط، في مدينة أخرى، في خرق تام للدستور وللقانون.
إن دولة المؤسسات تبدأ من السلطة المركزية التي عليها أن تعطي المثل في احترام الشعار، أما أن تتستر على رجالها، فلن يقود ذلك سوى إلى تعطيل الدستور والتقعيد لدولة الغاب بدل دولة القانون.