ترك الموكب السلطاني لرئيس المجلس العلمي بوجدة، مصطفى بنحمزة بتمسولت (إقليم تارودانت)، ردود أفعال متباينة؛ فمناصروه من الأصوليين مبتهجون جدا بهذا الفتح الأصولي المبين، لمعاقل الهوية المغربية المتفتحة، في حين يقرأ آخرون، في هذا الموكب دليلا على خروج وظيفة العالم الرباني عن سمته المفترض، ومن ثم التهديد الذي يلاحق تعبيرات التدين المغربي.
لكن لا بأس من فحص بعض جوانب رسالة هذا الموكب الاستعراضي «المخدوم» والمروج له من طرف الأصوليين:
أولا: لقد سبق مصطفى بنحمزة بيوم، الافتتاح الرسمي لفعاليات الملتقى السنوي للمؤسسة الذي حضره عامل إقليم تارودانت. وفي يوم الافتتاح كان في فتح آخر باشتوكة أيت باها. فهذه البرمجة لتبقى «يتيمة الدهر»، وتشد إليه الأنظار لوحده، تطرح تساؤلات في حد ذاتها. وإذا كانت الأعلام الوطنية التي نصبت، لها علاقة باندراج ملتقى تامسلوت ضمن مناسبة ذكرى ميلاد ولي العهد، فإن من بين صور استقبال بنحمزة والمعممة في إطار النشر، صورة يظهر فيها المستقبلون يحملون الأعلام الوطنية، والتي تتطلب تمحيص ترتيباتها ودوافعها، لأنه كما يعلم الجميع أن بنحمزة «يتقزز» من الحفلات الرسمية التي يرفرف فيها العلم الوطني في الأعياد الوطنية بوجدة، فكيف ترفع له الأعلام بسوس؟ كما أن هذا الموكب السلطاني، يطرح للتساؤل وظيفة حواس الدولة هناك التي ظلت سجينة عنوان الواجهة، ولم تقرأ توظيفات ما وراء الأكمة. حيث يظهر أن هناك نقصا في جرعة الوعي برمزيات منظومة الأمن الروحي، لدى ممثلي الدولة بسوس. فهذا الاستعراض الضخم، ينطوي عمليا على تجسيد عرض سياسي، لا ينفصل عن العرض الذي سبق أن قدمه الراحل زحل في ندوة المجلس العلمي الأعلى حول السلفية، وبحضور أحمد التوفيق وزير الأوقاف، بشأن التحالف مع الأصولية لمواجهة اليسار، كما كان الشأن في سنوات الرصاص. وهو العرض الذي أزعج العديد من المتتبعين، بالنظر إلى التزامات المغرب مع المنظومة الحقوقية الكونية.
ثانيا: حسب ملصق الإعلان على موقع مدرسة تمسولت للتعليم العتيق الذي كان خاليا من الإشارة للمناسبة/ الذكرى، والأطراف المساهمة، فإن مصطفى بنحمزة قدم «محاضرة توجيهية عبارة عن نصائح وإرشادات». وتطرح طبيعة هذه المحاضرة تساؤلات، باعتبار أن علاقة بنحمزة بالتعليم العتيق أملتها حساباته الأصولية، فكيف يعطي نصائح لمؤسسة يعود تاريخها لنهاية القرن الحادي عشر الهجري؟ كيف يعطي النصائح لهذه المؤسسة التي يشرف عليها الحاج إبراهيم أيت بوناصر، والذي تسري فيه وفي هذه المؤسسة بركة الشيخ سيدي الحاج محمد الحبيب البشواري التنالتي صاحب مدرسة تنالت؟ كيف يعطي بنحمزة، وهو يعادي التصوف، دروسا لمدرسة صوفية أصيلة، والحال أن دروس بنحمزة تعني شيئا واحدا، وهو التمكين لأصولية «الخليفة» التركي.
ثالثا: لا شك أن ما حصل لا ينفصل عن انفلات في امتدادات السند الصوفي لهذ المدرسة، في ذرية الحاج إبراهيم، حيث الأذرع الأصولية تترصد كل محاولات التغيير والتجديد في التعليم العتيق. وهذا الترصد، يتجاوز هذا المستوى، إلى ترصد حتى خطوات الدولة نفسها، كمحاولة استقطاب الطلبة الأفارقة وغيرهم في التعليم العتيق ومعهد تكوين الأئمة، للفكر الأصولي، ليجعلوا من المغرب باختراقهم للبنيات الرسمية «مصدرا» للتطرف بالوكالة عن التطرف المشرقي.
ما حصل يظهر أن أذرع الأصولية الممثلة في المغراوي والبوشيخي وبنحمزة هي المتحكمة في بنيات التعليم العتيق. وأن الموكب السلطاني لبنحمزة إلى جانب حمولته الإديولوجية المناهضة لمرجعية إمارة المؤمنين، لا ينفصل عن إرادة التمكين أكثر في وجدة لصورة العالم/ المقاول، والتمكين في العاصمة لمجلس الوصاية الأصولية على ميراث النبوة!