الاصطفاف المجتمعي هو قاعدة كل اصطفاف ويمثل كل المجالات، سياسية واجتماعية وثقافية وإيديولوجية وعقدية وطائفية وغيرها، ومقابله هو الاصطفاف النخبوي أو الكواليسي، ويقصد به الاصطفاف الذي يجري خارج المجتمع وبعيدا عن قاعدته العامة.. ولذلك لا نفتأ نؤكد على أن اي تقارب أو ميثاق يجب أن يتم على مرأى ومسمع من الشعب.. وهذا هو شرط نجاح أي اصطفاف لأن شرط نجاح أي تغيير هو توسيع المشاركة العامة حتى تكون الإرادة الشعبية حاضرة وسيدة قرارها. ولذلك يجب إزالة الالتباس وتجنب هذا الخلط. ولا بد من التأكد أن هذا لا يغيب وجوب البحث عن أساس لهذا الاصطفاف يكون موازيا لهذا الشرط. وهنا مكمن التمييز: لا بد من التمييز بين أساس الاصطفاف وبين شرط نجاحه. أما الاصطفاف السياسي فيقصد به تحقيق الفرز على أساس سياسي عوض الأساس الإيديولوجي أو الطائفي أو العقدي أو الاجتماعي أو...والمرحلة التي يعيشها المغرب وواقع الخريطة السياسية يبين أن الرهان على اصطفاف اجتماعي، أي أساسه قضايا اجتماعية، يجعل الفرز السياسي وسقف النضال/الحراك لا يرقى إلى الخوض في الأسباب الحقيقية للتعثر والإخفاق الذي تعرفه البلاد، فهذا الأساس قد يحقق مطالب استعجالية ولكنه في الآن نفسه يستعمل من قبل النظام القائم للتهدئة وشراء السلم الاجتماعي والتجارب في هذا الباب لا تعد ولا تحصى.. كما أن الاصطفاف على أساس عقدي أو طائفي يضعنا أمام نقاشات وتقسيمات طائفية غير جامعة وغير واقعية طالما أننا نبحث عن تجسيد إرادة العيش المشترك على أساس مواطنة حقيقية.. والاصطفاف على أساس إيديولوجي يدخلنا في انقسام عمودي غير واقعي لأن اللحظات العصيبة، ومنها سنة 2011، بينت أن شرخا كبيرا أصاب كل مكون إيديولوجي، فلاحظنا إسلاميين ويساريين ويمينيين في الحراك الشعبي وآخرين ضده في اصطفاف مع المخزن بمبررات شتى. الأساس الإيديولوجي للاصطفاف يكون مفيدا بعد إرساء البناء الديمقراطي وفي مرحلة التنافس التدبيري حيث يتقدم كل مكون مجتمعي ببرنامجه انطلاقا من مرجعيته الإيديولوجية ويكون الحكم الأخير للشعب من خلال صناديق الاقتراع النزيهة.. ونحن ما نزال في مرحلة التأسيس لهذا البناء. لكل ما سبق لا نفتأ نؤكد أن الاصطفاف على أساس سياسي هو الأصلح للمرحلة التي نمر بها. وهذا يتحقق من خلال الإجابة عن سؤال: من يقف في صف محاربة الفساد والاستبداد ومن يقف ضده؟ من يحدد بدقة من هو الفساد والاستبداد ومن يناور ويتهرب من الإجابة عن هذا السؤال؟ من أعطى برهان ذلك؟ حينها سنحسن قراءة المرحلة ومتطلباتها، وسنمهد لبناء تشاركي ومجتمع متنوع ودولة قوية تكون فيها الكلمة الأولى والأخيرة للشعب، صاحب السيادة من خلال صناديق اقتراع حرة ونزيهة ومنافسة سلمية يتحقق منها تداول سلمي على السلطة بعيدا عن العنف والعنف المضاد، ماديا أو رمزيا، ويضمن فيها حقوق وحرية الجميع.