"رب نقمة في طيها نعمة".. هذه القولة الشائعة تصدق بامتياز على التحرشات التي تقوم بها البوليساريو ضد المغرب في المنطقة العازلة، وهي تحرشات لم تسمح للمغرب بمراجعة خططه العسكرية والأمنية الديبلوماسية فحسب، بل وقد تكون مناسبة لمراجعة الهندسة الترابية بالأقاليم الصحراوية، وتحديدا بالمجال الحدودي بين إقليمي السمارة وأسا الزاك. ذلك أن أصواتا ارتفعت الآن في صفوف قبيلة أيتوسى تطالب بإحداث عمالة المحبس، وهو القرار، إن اتخذته الحكومة، سيجعل من إقليم المحبس درعا واقيا إضافيا لمواجهة الجزائر والبوليزاريو، خاصة وأن المحبس تعد أقرب نقطة مغربية من مخيمات تندوف (تبعد عنها بحوالي 70 كيلومتر) من جهة وتمثل القفل الترابي مع حدود دولتين مجاورتين للمغرب موريتانيا والجزائر.
مطلب إحداث إقليم المحبس ليس وليد اليوم، بل يعتبر أحد المطالب الأساسية لقبيلة أيتوسى منذ استرجاع المغرب لصحرائه. فالمغرب لما استرجع أقاليمه الجنوبية تبنى هندسة ترابية لم تنصف أيتوسى، إذ حرص المشرع في البدء على تمتيع العيون والسمارة وبوجدور بأقاليم خاصة بكل مجال ترابي، في حين لم تحظ أيتوسى بوحدة إدارية مستقلة، رغم أن ثلثي مجالها كان ضمن الأراضي المسترجعة من الاستعمار الإسباني، بل إن منطقة المحبس كانت آخر منطقة يسترجعها المغرب من الجيش الاسباني في مطلع 1976.
وحتى حين استرجع المغرب وادي الذهب عام 1979 لم يتم إنصاف المجال الترابي لأيتوسى، إذ أحدثت عمالة وادي الذهب دون إحداث عمالة المحبس أو أسا. ولم يتم استدراك الوضع إلا عام 1991 بخلق عمالة إقليم أسا الزاك.
مطلب إحداث عمالة إقليم المحبس يستمد وجاهته من ثلاثة اعتبارات:
الاعتبار الأول: يتمثل في أن المحبس هي الحصن الشرقي المناسب للمغرب للرد على استفزازات البوليزاريو بحكم أن للمحبس خاصية استراتيجية تتجلى في كونها ملتقى لحدود المغرب مع الجزائر وموريتانيا، أي بداية العمق الإفريقي للمغرب، وبالتالي من شأن إحداث عمالة المحبس إعمار المنطقة وخلق دينامية حضرية وعمرانية بها بشكل يقود إلى خلق ظروف تساعد على تفريغ مخيمات تندوف من المغاربة الصحراويين الذين يعيشون هناك ظروفا حاطة بالآدمية. وهذا يقود إلى طرح الاعتبار الثاني.
الاعتبار الثاني: أدت سياسة إعمار مدن الصحراء بالأقاليم المسترجعة (بعد أن أحكم المغرب قبضته الأمنية بشكل مطلق على كافة الحدود في الحرب مع البوليزاريو والجزائر) إلى خلق قناعة لدى العديد من أنصار البوليزاريو بمخيمات تندوف إلى الالتحاق بالوطن الأم، بدليل أن عدد العائدين من تندوف للمغرب قارب 12 ألف شخص (منذ وقف إطلاق النار عام 1991)، وهو ما يمثل عشر سكان المخيمات بتندوف تقريبا، وبالتالي إذا بادر المغرب إلى إحداث عمالة المحبس وواكب ذلك بمجهود مالي وبسياسة عمومية مجالية مفكر فيها بذكاء فإن الشهية ستفتح أكثر للصحراويين بتندوف للعودة بشكل جماعي لوطنهم، خاصة وأن المحبس لا تبعد عن تندوف سوى بـ 70 كيلومتر.
الاعتبار الثالث: يتمحور حول رد الاعتبار لأحد أهم المكونات القبلية بالصحراء، في شخص قبائل أيتوسى لجبر ضررها عبر توفير شروط الاندماج الطبيعي في مجالها الجغرافي التاريخي في مناطق المحبس - الجديرية كارة، وهو المجال الذي عرف مذبحة تعميرية طوال العمليات الحربية ضد الوجود الأجنبي ببلادنا، والذي استهدف مجال القبيلة وأهلها، هذه المذبحة بلغت مداها في عملية «إيكوفيون» العسكرية التي استهدفت جيش التحرير في أواخر خمسينات القرن 20 وما تلا ذلك من انتقام بشع عبر تهجير قبيلة أيتوسى من مجالها الترابي ردا على مشاركة أفرادها بكثافة في جيش التحرير، وهو التهجير الذي ستنتج عنه تبعات أخطر في ما بعد، بعد الإحصاء الإسباني لعام 1974 الذي أقصى أيتوسى، علما أن ذاك الإحصاء شكل في ما بعد الوثيقة المرجعية التفاوضية لدى الأمم المتحدة في عملية تحديد هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء على عكس إحصاء 1929 الذي تغافله الجميع، بحكم أنه إحصاء يعطي الغلبة العددية لأيتوسى.