السفينة سفينتنا وطبقاتها منها، والبحر بحرنا كما النهر ، ويفترض فيها ـ أي السفينة ـ أن يكون أسفلها ضيقا ويتسع شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى السطح الذي يكون هو الطبقة الأكبر مساحة ، وبطبيعة الحال لابد للسفينة من ربان وطاقم وتقنيين وعمال ومختصين يضمنون لها حسن الشحن ودقة وعدالة توزيع الركاب على طبقاتها وضمان سهولة الولوج هبوطا وصعودا من وإلى السطح والقاع دون تمييز أو محسوبية وزبونية ، والهدف الأسمى بطبيعة الحال أن لا تحتكر أقلية تحكم والمحيط المرتبط بها المنتفع منها ومعها أكبر مكان بالسفينة، وأن تتحكم في كل الخيرات التي لا يصل منها إلى باقي أجزاء السفينة وغالبية الركاب إلا الفتات ، بل وضمان أن لا تسلب الطبقة المتحكمة والمسيرة إمكانيات الشعب وقدراته لتضيفها إلى ما تضع عليه يدها وعينها بما فيه حقهم من دفء الشمس ورؤية السماء واستنشاق الهواء بفضاءات السطح وحقهم في الاستفادة من الماء المحيط بها شربا وسقيا وسباحة وتمتعا . إن الحديث يزخر بالمعاني والدروس حيث يشير إلى وجود من يحمي شرع الله وحدوده ومن يعمل على نقيض القصد والغاية من التشريع الالهي ، حيث يتواجد بأعلى السفينة وبداخلها وأسفلها مزيج من هؤلاء، وأشار الحديث التجاء ركابها إلى إجراء "القرعة " لتحديد من سيكون في الطابق الأدنى ومن في الطابق الأعلى ، وهذا إجراء "ديموقراطي" في بعض أوجهه لضمان تكافؤ الفرص بعدم التحكم القبلي والمتعمد في النتائج، ورغم ذلك أفرز وضعية صعبة ومعقدة نتجت عنها إشكالات مختلفة ، مما دفع من كان نصيبهم بالأسفل أن يفكروا بحسن نية لتجنب الإساءة وإلحاق الأذى بمن هم في الأعلى أثناء كل صعود وهبوط للتزود بالماء فاجتهدوا ووصلوا إلى فكرة وقرار خرق السفينة لفتح ثقب للتزود بالماء، مما جعل من بالسطح في حرج وخطر كبيرين، فإن هم تركوهم ينفذون قرارهم فسيغرق الجميع وإن تعاونوا معهم لحل الاشكالات المرتبطة بتوريد الماء الذي هو مصدر الحياة والرزق والتطور، فسيسلم الجميع مركبا وركابا ، وكأننا بالذين هم بأسفل السفينة لم يفكروا في عواقب فكرتهم مع استحضار تعمدهم ذاك لإلزام من فوق ليهتم بأمورهم وحقوقهم. إن المعنى العام للحديث إن أسقط على أحوالنا وأوضاعنا ، مع اختلاف في أسباب وجود الغالبية بأسفل السفينة ووجود أقلية مع طبقتها المنتفعة بسطح وقيادة المركب حيث بدل اعتماد القرعة استعملت صناديق بمساطر وطرق يعلمها العامة والخاصة محركها والمخطط لها، إما متحكم بالمال أو الدين أو القوة أو يجمع بينها ...ان من بالسطح في عصرنا هذا اصبح متحكما في منابع الماء والخيرات والحياة وبدل ان يحرص على التوزيع العادل لها أهمل بل أساء إلى من هم بالأسفل، أي كل الشعب عن سبق اختيار وبإرادة مدركة لعواقب الأمور . إن الذين بالأسفل هم من ساهم بوعي منهم أو بدون وعي بحسن نية أو سعيا وراء ريع ونفع مؤقت أو دائم في وضع وتواجد من بالأعلى الذين لم يعملوا من أجل تجنب أن يبحت الشعب بطرق يبتدعها للوصول إلى نصيبه من المياه/الخيرات بما فيها خرق السفينة في أكثر من موقع ، كما أنهم يضيقون عليهم مسارات يصعدون منها إلى السطح الذي يعج بالخيرات وتجمع به كل الثروات بل وأحيانا يواجهونهم مرات بالقمع وأخرى بالتجاهل والتجويع والمماطلة، إن منهم من يروج أن السفينة مهددة بالإغراق والخرق إن لم يضح كل من بالأسفل بأجزاء مما يملكون كلما أمروا بذلك وعليهم أن يصبروا على الفقر والخصاص لأن في تحملهم أجر كبير ..؟؟ إنهم في عصورنا الحديثة من قام ويقوم بخرق الجــيوب والأواني والأكياس المتواضعة للعامة ليفرغ ما بها أو أغلبه في النهر الكبير، إن عمل وقرارات من بسطح السفينة أي الذين يتحكمون في قيادتها وخيراتها تسببوا في أحداث أكثر من ثقب في جيوب السفينة التي هي جيوب الركاب والراكبات ، جيوب العيش وموارده .، جيوب الحرية ، جيوب الكرامة والعدالة ، جيوب التلاحم والتماسك الاجتماعي ...الخ، وإن من بالأسفل هم من يبدل الجهد العظيم لإنقاذ السفينة من الغرق بالتحمل وانتظار الفرج والصبر ، فابلغوا ورفعوا أصواتهم وشكاياتهم وتظاهروا واحتجوا لعل من بالأعلى ينتبه ويعود إلى الصواب الذي لا يكون الا بالركاب ولمصلحة الجميع دون تمييز، إن الذين في أعلى السفينة اليوم بفعل القرعة أو الصناديق المحمولة "بمظلات" يمنع القانون والعرف توظيفها أو استعمالها للتغرير بالركاب وتضليلهم، أنه لا يحق لهم أن يحجبوا عن الشعب مستقبله ويعطلوا مصالحه ومتمنياته وينتزعوا منه مكتسباته بمبرر إنقاذ السفينة من الغرق، والحال أن العطب والإشكال هم ومحيطهم من يقف وراءه بسياساتهم وأفعالهم وإجراءاتهم. إنهم هم من سيتسبب في الغرق، إنهم من يخرق السفينة .، إن السفينة التي تحمل الشعب كله من غير المقبول أن تخرق بفعل أي فاعل كان فردا أو جماعة كيفما كانت سياساته أو مرجعياته أو أهدافه المعلنة ، إن السياسات "الخرقاء" بقدر ما تعلو مسؤولية أصحابها بقدر ما يكون الخطر أكبر ، فاستنزاف قدرات الشعب وشفط قدراته ومدخراته سيغرق السفينة كلها، كما أن تهور وأنانية ربان السفينة قد يسبب في جنوحها واصطدامها بما قد يغرقها دفعة واحدة، فأن تغلق ثقبا بحسن نية تحت أي مبرر فذلك عمل لا يعيبه أي أحد لأن وراءه مصلحة خاصة أو عامة شريطة أن لا يضر بمصالح الاخرين ، أما أن تحدث اثقابا يصعب إعادة إغلاقها فذلك منتهى الظلم والافساد الجالب للنحس والبؤس بالتقسيط والجملة، إن السفينة التي هي كل وطن وكل قارة والعالم لا يجوز ولا يصح ولا يقبل من أي كان أن يستغل الدين أو المال أو الديموقراطية أو السلطة للوصول إلى الحكم لإقصاء الآخر المخالف له واجتثاثه . إنه لا يقبل من أي كان أن يعمد إلى خرق سفينة الوطن / القارة / عالم الارض، فالناس خلقهم الله وسخر لهم الارض وما فيها وكرمهم بالعقل ومتعهم بالإرادة وسلطة الاختيار ، إن مصادرة أرزاق الناس واستغلال قدراتهم وحرمانهم من حقوقهم وتضييق الولوجيات إلى خيرات الأوطان والعالم ، كما أن الإساءة إلى أية طائفة أو مذهب أو دين أو قبيلة أو مجتمع أو عرق، هي أعمال تندرج ضمن الخروقات العظيمة والكبائر التي حرمتها الديانات السماوية والشرائع المتنورة، فكم من سفينة أغرقت بسبب سوء تقدير من هم بسطحها ومراكز قيادتها فألبوا البعض ضد البعض وتسببوا في اشتعال فتن وخراب أوطان فطال الهلاك الحرث والنسل والمال وهيبة الدول ، وأسقط في يد الجميع وأصيبت العقول والارادات بالشلل ، فضلوا واضلوا ، فهل سيستطيعون التغلب على حمقهم وجهلهم؟ أم أن الشيطان أوحى لهم واغراهم وسلب عقولهم ؟ فلينتبه الجميع " إنهم يخرقون السفينة ". يقول تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) سورة العنكبوت.