المنهج التحريفي من السمات المركزية لسلوك وخطاب الأصوليين. ويهمنا في هذه الورقة لفت النظر إلى جانب من الإرهاب الفكري الذي يقترفه هؤلاء تنكيلا بحق الآخر في الاجتهاد، وفي إبداء وجهات النظر. يتعلق الأمر هنا بتحريف دعوة بعض رجال الفكر والباحثين إلى تغيير المناهج والمقررات الدراسية، خاصة حين تلك التي توضع أمام الناشئ، والتي تسمح بتداول نصوص أكبر من هؤلاء الناشئة، وبتفسير مغرق في التشدد من قبيل ما يتعلق بموضوعات الجهاد وإقامة الحد والموقف من الفن والمرأة وتكفير أهل الكتاب... الداعون إلى ذلك التغيير يرون أن سن الناشئ يفترض أن الدرس الديني لابد أن يكون متوافقا مع مهارات التلميذ وملكاته النفسية والعقلية، وأن إيراد هذا النوع من التأويل يسيء إلى الإسلام المتنور قبل أن يضر بالناشئة، خاصة إذا تولى أمر التدريس مربون متشددون، أو جاهلون بأسرار اللعبة التكفيرية، أو عاجزون ذاتيا عن الإلمام بعظمة النص الديني، وبحاجة معانيه إلى العمق المعرفي.
هذا من جهة الدرس التعليمي. أما من جهة تداول النخب للنص الديني، فنسجل أن الأصوليين يحرفون دائما الاجتهادات إذ يكفرون من يقول بمعالجة عادلة لمسألة الإرث في الإسلام، ومن يقول بمعالجة ملائمة للتعدد الزوجي... وواضح أن دعوة مثل هؤلاء لا تقصد النيل من الإسلام، لكنها تتضمن الدعوة إلى أن يمارس الفقهاء والمجتهدون دورهم في ممارسة التأويل لأن الثابت هو أن القرآن الصالح لكن زمان ومكان في حاجة إلى الاجتهاد الدائم في التفسير، وإلى تعدد القراءات، ومراعاة السياقات بما يتوافق مع جوهر الدين ومع متغيرات العصر.
نحن، والحالة هذه، في صلب النقاش الذي يرفضه الأصوليون التكفيريون الذين يريدون أن يفرضوا على العالم قراءة واحدة لزمن منغلق بدعوى الوفاء للسلف الصالح، قراءة تستمد نسقها من فتاوى فقهاء الدم الوهابيين والإخوانيين الذي لا يجادلون بالتي هي أحسن، لأنهم لا يعرفون سوى نصب المقاصل للمخالفين في الرأي.
إن هؤلاء مثل نظرائهم في الشرق يعون بخطورة الاجتهاد والتأويل الحر المنفتح للإسلام، ويعون بأن كل تحديث للتفسير والتأويل هو انتصار للفكر الحر المتسامح، المتناغم مع الإسلام المعتدل الوسطي الحامل لقيم الخير ولرسالة السلام. وهؤلاء يحاربون ذلك لأنهم يريدون أن يبقى المغرب والمشرق متسمرين في الدرجة الصفر للعقل، ولأن مناخ ازدهارهم هو الذي تسود فيه الجهالة العمياء.
معركة الإسلام المعتدل هو أولا وقبل كل شيء معركة مع الأصوليين التكفيريين، ومعركة ثانية من أجل تحرير التفسير الديني من عبث هؤلاء.