ولنكن واقعيين ولنعترف بأن الذي ينبغي تقويمه هو ذلك الاعتقاد السائد بأنه ليس هناك أحسن مما كان ، لأن الذاكرة الايجابية تقتضي منا جميعا تفادي استعمال الوقائع خارج سياقاتها الحقيقية ، وإلا فإن الشعور الذي سينتاب جيل شبابنا الجديد هو أن مكان قيم اليسار هو ثلاجة التاريخ أو في قاعة الانتظار ، كأحسن تقدير ، فما أخيب الطموحات اليائسة عندما ستتحقق ما يسمى بالقطبية الثنائية من داخل نفس المركزية الشرعية الواحدة ، ليترك اليسار المنهك بصراعاته الداخلية وحزازات قياداته ، المتخصصة في الانشقاق والشقاق ، يترك أمام جبرية الخيار « التكميلي » أو « المكمل » ؟؟ ،،،وحتى ولو كان الأمر مجرد تاكتيك ، فإن تصاعد المد المحافظ ، وتحفيز صموده بالسلطة والمال ، سيجهض كل دوائر الضوء التي شرعت تتشكل مع بداية العهد الجديد ، ولقد أكدنا مرارا أن الدولة تصالحت مع جزء من اليسار ، وهو تعاقد يلزم طرفيه ، دون غيرهما ، مما يستدعي مواصلة الصراع ديموقراطيا ، مادام المفهوم الجديد للسلطة يفتقد كل معنى إذا لم يقترن بأهمية بلورة المفهوم الجديد للعدل ، وهذا الأخير لا جدوى منه دون التفكير نظريا وإجرائيا في استكمال صياغة مفهوم جديد للدولة ، يستحضر البعد الإجتماعي في الهويات الحزبية وكذا السياسات العمومية . فكيف سنواجه هذا الأمر الواقع ، بعد أن سلم بعضنا ، إطلاقا ، بأن الأحزاب التاريخية ماتت ، منذ القبول بالتناوب التوافقي ، هذا « القتل » السياسي غير الرحيم الذي استغله البعض للالتحاق بالضفة الأخرى ، واستثمره البعض الآخر مشجبا ليعلق عليه فشل مشروعه السياسي والتنظيمي حتى ، لذلك فإن ما يجري من سجال ونبش في حيوات المناضلات والمناضلين ، لن يكون منتجا البتة ، مادام الوعي منعدما بأهمية المرحلة التي يجتازها الوطن ووقعها على الذات ، على الأقل على مستوى مطلب استكمال الوضوح الفكري ، أو مطلب تقييم الانتقال من تبني الاشتراكية العلمية إلى تمثل الاشتراكية الديموقراطية كبديل اجتماعي يطابق القوة التنظيمية للأحزاب المشاركة من داخل المؤسسات ، أو التي تطمح ، بالاستدراك ، تجريب نفس المطلب لأول مرة . لهذا فإن هذا الشرط الداخلي / الذاتي الذي عنوانه الهشاشة التنظيمية والتيه السياسي لا يمكن تجاوزه كمثبط للتحول المنشود سوى بالاجتهاد من أجل إعادة خلق الجسور مع المجتمع وعبر العمل الجماهيري اليومي ، اقترانا مع ضرورة تحيين الفكر النقدي وتجديد أدوات الفعل السياسي بعد توضيح الخطين السياسي والايديولوجي ، ففي جميع الحالات لا يعقل مواجهة الارتقاء الاجتماعي بالانتحار الطبقي .