حرارة جسم المجتمع المغربي تعرف ارتفاعا غير طبيعي مع اقتراب نهاية عمر الحكومة المجهولة الترتيب باعتماد تصنيف السيد بنكيران بوجود حكومتين في الدولة المغربية، هذا الارتفاع يرتبط بعدة عوامل، بقانون المعاشات، برواتب الوزراء ومعاشاتهم، بصفقة الأزبال القادمة من أوروبا، بالزيادات المتتالية في أسعار المواد الغذائية، بتدهور القوة الشرائية للمواطنين، بنوع من التدهور في قطاع الأمن العام بات يؤرق بال المواطنين، في تردي الخدمات في كل القطاعات العمومية والشبه العمومية، بدءا من الصحة والنظافة والتعليم والنقص الحاد في المياه الصالحة للشرب وعلى الخصوص في البوادي، بحيث لا يكاد يخرج قطاع من دائرة الأزمة، بدرجة أو بأخرى.
في هذا الإطار وفي هذه الأجواء المشحونة بالانتخابات والصراع من أجل السلطة والثروة، كذلك، يندرج تسريب وثائق تتعلق بالاستفادة من الامتيازات والريع من طرف رجال سلطة ومنتخبين ورجال سياسة ورجال دين ومقربين من دوائر القرار العليا وبعض النافذين، ما أثار نقاشا ساخنا وأخرج إلى الساحة العامة مواضيع كانت، حتى عهد قريب، حكرا على نخبة تجعل منها أوراق مساومة وضغط لأجل الحصول على نصيبها من الكعكة. لكن التطور على مستوى وسائل الاتصال جعل مواقع التواصل الاجتماعي وروادها يتحولون إلى لاعبين أساسيين لهم دورهم في توجيه ورسم معالم مستقبل الأحداث.
الاستفادة من أملاك الدولة بشروط تفضيلية عن طريق البيع أو التفويت والاستفادة المجانية، سواء تعلق الأمر بعمليات مدعومة من طرف الدولة مباشرة أو من طرف مؤسسات عمومية أو شبه عمومية أو صناديق حكومية وسيادية مرتبط بجملة من الشروط، ولعل من أهمها، كما نعرف نحن أصحاب الدخل المحدود، هو شرط عدم التوفر على أي ملك خاص وإن تعلق بأرض فلاحية في منطقة قاحلة جرداء.
عندما يتقدم بعض المحظوظين منا لشراء سكن اقتصادي أو اجتماعي (قبر الحياة) يكون ملزما بتقديم رزمة من الأوراق والوثائق وعلى رأس القائمة شهادة عدم الملكية. وعندما يتعلق الأمر باستفادة السادة خدام الدولة من مشاريع وأراضي وفيلات ورخص ومأذونيات بعضها بأثمنة رمزية وأخرى بالمجان، فالوضع يصبح مقلقا وشاذا ويمشي بالمقلوب، رأسه إلى أسفل، وتقلب الطاولة علينا وعلى دولة الحق والقانون.
مصادر ومواقع صحفية عديدة تداولت أسماء شخصيات في مواقع حساسة في الدولة -خدامين مزيان- وغناهم الفاحش معروف ورغم ذلك لا يفوتون الفرصة للاستفادة وبامتياز وبشروط تفضيلية وفي الغالب بالمجان من عقارات الدولة ومأذونيات ورخص صيد برا وبحرا ومشاريع في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية.
بغض النظر عن مدى احترام المرتكزات القانونية وتأويلها بما يخدم مصالح المستفيدين من مثل هذه العمليات والسطو على أملاك الدولة والتي هي في جوهرها أملاك الشعب كله، لا فرق بين مواطن وآخر إلا بما أسداه من أعمال وتضحيات متميزة لهذا الوطن، ولا أكبر من أعمال المقاومة والتحرير والتضحية بالروح دفاعا عن الوطن ومقدساته. بغض النظر عن الجوانب القانونية، نستحضر الجانب الأخلاقي في العملية ككل، سواء تعلق الأمر بالمستفيدين المباشرين أو أولائك الذين هيئوا الظروف والشروط وسهروا على تنفيذ هذه العمليات التي أقل ما يمكن أن يقال عنها، أنها عمليات تعبر بشكل صارخ عن الغياب التام للحس الوطني وروح المواطنة لدى هؤلاء جميعا وتبين على أن ما يربطهم بالوطن لا يتعدى أرصدة بنكية وعقارات وجنسية يتقاسمها بعضهم مع أجناس أخرى ورغم كل هذا ينصبون أنفسهم وبعضهم بعضا خداما للدولة أسيادا على باقي المواطنين الذين تحولوا إلى مجرد عبيد في ضيعة كبيرة تسمى الوطن.
المقام لا يتسع لذكر الأسماء وهي معروفة، تداولتها عدد من الصحف بحيث يمكن الرجوع ليوميتي "الأخبار" و"المساء"، على سبيل المثال، الأسماء لها وزنها المالي والسياسي والاجتماعي وكان من اللائق والأجدى أن تفوت تلك العقارات والمشاريع إلى أناس آخرين أحق بها سواء على مستوى الحاجة أو على مستوى الاستحقاق، ويندرج ضمن هذه الفئة الآلاف من الذين خدموا الدولة واشتغلوا في أصعب الظروف لأجل ضمان أمن البلاد واستقرارها وسيادتها وحموا مقدساتها ويأتي في مقدمة هؤلاء، شهداء الوحدة الترابية ومعطوبي الحرب والجرحى وقدماء المحاربين وذوي حقوقهم، أو على الأقل إذا تم اعتبارهم في درجة اجتماعية أدنى، لا تسمح لهم بمجاورة السادة في المساكن على ضفاف البحار والأنهار والغابات وفي الأحياء الراقية، أن تقتنى لهم أراضي وأن يتمتعوا هم كذلك بشروط تفضيلية وعلى الأقل تؤدى لهم مستحقاتهم العالقة في ذمة الدولة، المتعلقة بالمستحقات الخاصة بالتنقل والخدمة في المناطق الجنوبية وتحديدا في الصحراء المغربية على جبهات القتال المختلفة في مواجهات أعداء الوحدة الترابية للبلاد.
عندما يتعلق الأمر بالمستحقات المهنية والحقوق المشروعة لهؤلاء الجنود، خدام الدولة الحقيقيين، تصبح خزائن الدولة فارغة وعندما يتعلق الأمر بصفقات من أجل تسويات سياسية داخلية وتبادل مصالح، تظهر صناديق جبر الضرر والإنصاف والمصالحة وتمنح البريمات للوزراء والمدراء وكل خدام الدولة وتمنع عن الجنود القدامى العبيد، لأنهم لا يحسنون الكر في السياسة.