ألم نقل أن أكبر مصيبة يعانيها المغرب توجد في المؤسسة التشريعية؟ ألم نبرز أن العدو الحقيقي ضد مصالح الشعب المغربي يوجد داخل قبة البرلمان وليس خارج الحدود فقط؟ ألم نظهر بالحجة والبرهان أن أحد الأعطاب الكبرى لبلادنا أننا لا نتوفر على نخبة برلمانية وطنية، بل نتوفر فقط على "شناقة" و"ملهوطين" على الفلوس، و"ريوكهم" تسيل فقط على الريع"؟
اليوم يأتينا دليل آخر يزكي القناعة المترسخة لدى أغلبية المغاربة من كون البرلمان لا يضم سوى مفترسي المال العام. فبعد أخطر قرار صادر عن المحكمة الأوروبية ضد الوحدة الوطنية بشأن عدم إدراج الصحراء في اتفاق الصيد مع الاتحاد الاوروبي وما يمثله هذا القرار من تحول في مسار الملف، نجد نوابنا بالبرلمان بدل أن يهبوا لتحديد الاستراتيجيات للرد على هذا القرار أو تجنيد "الخلايا النائمة" بمجموعات "الصداقة البرلمانية" بالدول الأوربية لتشكيل لوبي ضاغط على أوروبا لحماية مصالح المغرب العليا، انشغل نوابنا البؤساء بتأمين مخرج لصندوق تقاعد النواب والمستشارين والبحث عن "بزولة" جديدة لاقتطاع المبالغ الضخمة لضخها في صندوق تقاعدهم من المال العام، بحكم أن الخزينة العامة تتحمل نصف كلفة معاش البرلمانيين. علما أن المهام التمثيلية هي أصلا مهام تطوعية بالعالم (باستثناء فرنسا التي أدخلت لنا فيروس الريع) وليست مهنة تتطلب صرف رواتب وتقاعد وإرهاق جيوب المواطنين المنهكة طولا وعرضا. (اللهم تحمل الدول المتمدنة لنفقات بسيطة مرتبطة فقط باجتماعات اللجان والدورات).
فالبرلمانيون المغاربة (بالغرفتين معا) ينتمون لأحزاب، ومنهم قياديون في الأجهزة التقريرية للهيآت السياسية التي رشحتهم، وكان أولى تعبئة المجتمع داخليا وخارجيا حول التطورات الأخيرة لملف الصحراء: من جهة لتركيز الجهود حول الشبكات الحزبية العالمية (من قبيل: الأمميات الاشتراكية والليبرالية والإخوانية وغيرها من الائتلافات الدولية)، ومن جهة ثانية لتوظيف شبكة التحالفات مع الأحزاب الحليفة الموجودة في مواقع الحكم أو المعارضة بأوروبا لضمان يقظة دائمة لصالح الطرح المغربي، ومن جهة ثالثة بعث الروح في اتفاقيات التوأمة بين مجالس المدن المغربية ونظيرتها بأوروبا لتوظيف النسيج العلائقي بما يخدم الأمن القومي لبلادنا بدل أن يستمر المواطن في تحمل كلفة تنقل المنتخبين الذين يستغلون اتفاقيات التوأمة في الأسفار السياحية لهم ولخليلاتهم وما ملكت أيمانهم!
إن الفاجعة التي هزت المغاربة بسبب التطورات الأخيرة في ملف الصحراء، تبرز الحاجة لإعادة النظر في التقطيع العسكري للمغرب. فالعدو لا يوجد فقط في الشرق (الجزائر) أو في الشمال (أوروبا)، بل يقبع بجوارنا بشارع محمد الخامس بالرباط.
وإذا كان المبدأ العسكري يقول: "حيثما يوجد منفذ يتسلل منه الخطر أو العدو؛ لا بد من بناء قاعدة عسكرية أو مركز عسكري متقدم لصد المخاطر"، فإن اصطفاف "نواب الأمة" ضد مصالح الشعب المغربي واختيارهم الدفاع عن "بزولة" التقاعد ضدا على ملف الصحراء، يقتضي توجيه رادارات الجيش نحو قبة العار لدكها دكا.
فما الحاجة لبرلمان لا يخدم المصالح العليا للمغرب والمغاربة.