بلجوء رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إلى البند 49.3 من الدستور لفرض مشروع إصلاح قانون الشغل الجديد، يكون قد أعلن بالمقابل توقيف أي محاولة لاستمرار الحوار الاجتماعي، وأضاف سببا آخر لتأزيم علاقة المواطنين بالحكومة مما ينذر باستقبال أيام مقبلة باختلافات أعمق، وانتظار أي شكل من احتمالات التوتر.
لذلك، لن يكون غريبا أو حتى مفاجئا التوقع بأسوأ الأحوال لحكومة أقدمت على هذا النوع من الإسقاطات، خاصة في ظل تآلف كل القوى المجتمعية بمختلف توجهاتها على هدف محدد ومصلحة عامة في مواجهة حكومة اتخذت البند الاستثنائي شعارا لتجاوزاتها وهي المدعومة بحزب بلغ مراحل متقدمة من التفكك. والأكثر إيلاما أن هذا القانون الذي سيقود حتما الأجراء للعمل أكثر بربح أقل، تم تمريره دون اللجوء إلى تصويت البرلمان بعد عدم التوصل إلى اتفاق مع الجمعية الوطنية، مما يدشن لمحطات كارثية كشعارات جديدة لانهيار القيم والمبادئ.
والحقيقة، أنه كم هو صادم وصاعق رأي قوى اليسار والبيئيين لما يقودون السياسات العامة للبلاد، وزعم نهج أمن وعدالة حلم بها اليمين ولم يستطع تطبيقها. وعليه، فأي رجل أو امرأة من اليسار قلق من احترام قيم الجمهورية واقترع لصالح الرئيس فرانسوا هولاند سنة 2012، وآمن بـ"التغيير" لا يختنق الآن من هذا الواقع؟
وأي رغبة هاته في استمرار مساندة تلك الخيارات الهدامة مقارنة مع تلك التي يا ما حملت تطلعات الأمل في التغيير تحت قيادة مانويل فالس لصالح الليبرالية المتوحشة، والتي فرخت أزيد من مليون و300 ألف عاطل عن العمل، بعد أن أغمضت العين عن تشويه الثنائية القومية الممارس بنفاق يندى له الجبين، ويشكل وصمة عار يتأذى منها المسلمون، العرب، الأفارقة، الفلسطينيون، النقابيون، العمال، والموظفون لصالح إيديولوجية "العرق الأبيض" المتبناة من طرف اليمين المتطرف والتطرف اليميني؟
وأي حافز بقدرته دفعنا لكسب رؤية الخيانات اليسارية من جان جوريس إلى فرانسوا ميتران، ومن ليون أندري بلام إلى جاك شيراك، والتي توجد بشكل أكثر في هذه الحكومة؟ إن مأساتهم في عقليتهم ووعيهم وضمائرهم التي تعمل على إلقاء هذا العالم المنفتح والمتسامح بين أيدي المجرمين وقتلة الظلام الدمويين حد النخاع. إنهم المتسولون، المعدمون، الكلاب، الزنوج، والأنذال.
فنحن، وللتذكير، لسنا على علاقة بهذه الروائح المروعة والنابعة من العهود المزرية السابقة، التي تضخم فتنة الشباب. فيما السلطة وأجهزتها والإعلام التابع لها يريدون استمرار تعزيز ذلك الاتصال الشبابي مع الطبقة العاملة وخاصة الأجيرة منها لتقارب مستويات النضال، ومن ثمة نشر قواتها لهدف تصريف كل وسائل القمع والإحباط.
إنهم يحملون اليأس في معسكرهم ببناء نجاحهم المزعوم على حساب هدم الثوابت الاجتماعية القائم على أسسها الوطن. ولهذا، دعونا نبدل نضالنا بتشكيكاتهم المشوهة ونقل مرارا بأن دعم فرانسوا هولاند لمانويل فالس به خيانة لليسار كافة، وأن المرشحين للانتخابات لا يصنعون الفوز. كما لابد من أن نبين لهم بأننا لسنا هناك لجلب السلم. بل لمداعبة خيوط تحريك المواطنين. نحن هنا لممارسة السياسة، ولسنا أصدقاء الجميع.