حين تلتزم دولة ما بتنظيم حدث دولي معين (كأس العالم - ألعاب أولمبية - مؤتمر دولي - إلخ...) تسطر البرامج ويتم إعداد المونطاج المالي لتمويل البنيات التحتية مع تحديد جداول زمنية لإخراجها لحيز الوجود من ملاعب ومطارات وطرق سريعة ومؤسسات فندقية واستشفائية وترفيهية ومواصلات سلكية ولاسلكية وما شاكل ذلك، حتى إذا حل الموعد المعلوم تكون الدولة في الموعد وتنال رضى العالم وتقدير المراقبين.
تأسيسا على ذلك نجد أن الانتخابات التشريعية لم تبق لها سوى بضع سنوات (2021)، ورغم قرب الموعد لا يظهر في الأفق أن المغرب معني بهذه المحطة لتوفير البنية السياسية الحاضنة لتدبير الشأن العام: فأحزاب المعارضة باهتة إن لم نقل أنها باردة بشكل يفوق برد سيبيريا، وأحزاب الأغلبية مفككة ومترهلة بيمينها وأصولييها ويسارييها والنقابات دب الوهن إلى مفاصلها.
نعم، الانتخابات ليست هي البلسم الشافي لأعطاب المجتمعات، لكنها تبقى أحسن ما اخترعه العقل الكوني لحد الآن لتدبير التدافع السياسي داخل المجتمع لاختيار نخبة تتولى تدبير أمور الناس.
المؤسف أن نخبنا السياسية منشغلة بتأمين ريعها وتقاعدها بالبرلمان والحكومة أكثر من الانشغال بالموعد المحتوم عام 2021. إذ أيا كان لون الحزب السياسي الذي سيفوز في الانتخابات التشريعية القادمة، فإن المصير المجهول هو الذي ينتظر المغرب ما لم يتم الانتباه للحاجة إلى تمنيع الممارسة الحزبية وتمكين المجتمع من كوابح تفرمل انزياح الشارع نحو قوى غير منظمة أو نحو قوى عدمية لا تؤمن أصلا بجدوى التدافع السياسي المدني.
الملف الذي تطرحه «الوطن الآن» كمحور غلاف هذا العدد، هو دعوة ليمارس كل واحد منا حقه في المطالبة بالافتحاص القبلي للملايير التي تقتطع من ضرائب المواطنين لتمنح للأحزاب لتمارس دورها في التأطير وتمثيل الناخبين في المؤسسات الدستورية. فالمرء ليس ملزما بأن يكون عضوا في حزب حتى يكتسب الشرعية لمساءلة الحزب، بل كل مغربي له الحق في تتبع حياة الأحزاب ورصد إشراقاتها وإخفاقاتها، مادامت الأحزاب هي القناة الرئيسية التي يمر منها اختيار «صناع القرار» الحكومي والبرلماني وبالجماعات المحلية. وهذه الحكومة والبرلمان والجماعات تسن قوانين وتشريعات وتتخذ قرارات تمس الحياة اليومية والمعيشية للمواطن. وبالتالي من حق المواطن تتبع ومعرفة «العجينة» الحزبية التي ستلد رئيس الحكومة والوزراء والبرلمانيين.
فحين ندق ناقوس الخطر من تآكل أحزاب الأغلبية والمعارضة، فإننا ندق الناقوس خوفا من أن تأتينا حملة 2021 بنخب أفلس مما هو عليه الحال اليوم بالبرلمان والحكومة.
فكما يقول المثل الشعبي: «للي بغا الكراب في الصيف يتصاحب معاه في الليالي». وبالتالي فإن أردنا ربح رهان أحزاب قوية (أيا كانت مرجعياتها السياسية) في عام 2021 لإحداث قطيعة مع سنوات الرصاص الحزبي فعلينا خلق رجة قوية اليوم وليس غدا.