أبو أيمن الفارح:متى تفكر الدولة والمؤسسة العسكرية في الأوضاع النفسية للمحاربين وقدماء المحاربين

أبو أيمن الفارح:متى تفكر الدولة والمؤسسة العسكرية في الأوضاع النفسية للمحاربين وقدماء المحاربين

مرض حرب الخليج ، صدمات القصف ، عصاب الحرب ، اضطراب الإجهاد الحاد هذه الأعراض النفسية وغيرها، هل تصيب كل جنود العالم وتستثني المحاربين المغاربة ؟
عرفت المؤسسة العسكرية في الأيام الأخيرة حادث قتل أليم ذهب ضحيته أربعة أفراد من رتب عسكرية مختلفة ، حيث قام عسكري، في ظروف لا زالت لم تتضح كل خيوطها ، بإطلاق النار على رئيسه برتبة كولونيل و إثنين من مساعديه ليرديهم قتلى ويضع حدا لحياته بدوره حسب الأخبار المتداولة .
هذا الحادث ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. مثل هذه الحوادث تقع في كل جيوش بلدان العالم وتدخل ضمن حوادث العنف بمختلف درجاتها ومستوياتها، التي تعرفها المجتمعات البشرية في كل القطاعات والمهن وتتعدد وتختلف أسبابها وسياقاتها والظروف المحيطة بها. حوادث لا حصر لها ، من ضرب وجرح وقتل تقع يوميا بفعل حوادث سير أو شجارات أو حوادث عرضية مختلفة لكنها رغم الأرقام الهائلة لا تحمل نفس قيمة وأهمية القتل بين صفوف العسكريين ، لأي سبب من الأسباب، وبدرجة أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالقتل بنيران تعد صديقة ولأسباب تتعلق بظروف العمل الميداني وإكراهاته الكثيرة المتداخلة والمتشعبة .
الحياة العسكرية ليست سهلة ، سواء على مستوى المعيش اليومي العادي أو على المستوى المهني المتعلق بالواجبات المهنية الروتينية في فترة السلم أو فيما يتعلق بالمهمات الحربية والأمنية زمن الحرب والتوترات ، يضاف إليها مشاكل الحياة المدنية المرتبطة بالأسرة وغيرها من متطلبات الحياة ، هذه الأخيرة تختلف بحسب الحالة المدنية والرتبة العسكرية والمستوى التكويني والمعرفي والوضع المادي والنفسي للجندي.
إذا كانت المؤسسة العسكرية تنعث بالخرساء ، فليس للسبب المتعلق بالصوم عن تناول السياسة والخوض في الشأن العام المحلي الوطني والدولي ولكن لأن الجنود غير قادرين حتى على التعبير عن مشاعرهم وعواطفهم ومشاكلهم المختلفة ، بما فيها الاجتماعية والنفسية. حتى أننا لا نكاد نعرف لهم سوى شكلين من أشكال التعبير : البكاء في جنائز الأقرباء والتعبير عن الفرحة والسعادة في الأفراح والمناسبات العائلية ، في حال تمكنوا من حظورها. هذه حقيقة نرفض الاعتراف بها والتعبير عنها علنا.
يجب أن نفكر أو بمعنى أصح، يجب أن تشرع المؤسسة العسكرية وبشكل جدي ، عصري وحديث في التعاطي مع الجانب النفسي للجنود من أجل تمكينهم من التعبير عما يعيشونه بدواخلهم وتفريغ كل المكبوتات. هذه العملية ليست سهلة ، بالنظر لحساسية القطاع وكذلك بسبب الثقافة السائدة في المجتمع التي تنظر إلى الأعراض النفسية نظرة دونية تحط من قدر المعني بها وتضعه في خانة المريض العقلي الذي بات يشكل خطرا حقيقيا وبالتالي وجب الاحتياط منه فيتم نبذه والتعامل معه بشكل يفاحش حالته اجتماعيا ونفسيا وما لهذا من أثر حاسم في المصير المهني للشخص المعني.
يجب التحلي بالشجاعة والدفع في اتجاه البحث وإيجاد السبل والطرق التي تساعد وتمكن الجنود من اللجوء إلى طلب الاستشارة الطبية النفسية بدون خجل أو مركب نقص باعتبارها لا تختلف عن أي استشارة طبية أخرى ، وكذلك اعتبارها عملا وقائيا وتلقيحا ضد أمراض الحروب المعروفة والمنتشرة في أوساط الجنود في كل جيوش العالم. هذه الأعراض الناتجة عن الإرهاق وطول مدة الحرب ونذكر على سبيل المثال الأعراض التالية : تفاعل كرب القتال ، اضطراب الإجهاد الحاد ، عصاب الحرب وعدة أعراض نفسية أخرى مرتبطة بطبيعة ونوع الحرب كما هو الشأن بمرض حرب الخليج الذي يعني منه آلاف الجنود الأمريكيين. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الجيش الأمريكي يعرف أزيد من 140 حالة انتحار سنويا ، أغلبهم من العائدين من جبهات القتال ، ويشكل المصابون باضطرابات نفسية حوالي 20 في المائة من جنود القوات الفرنسية المحاربة في أفغانستان.
نورد هذه الأرقام وهذه الأمثلة لإظهار حجم الظاهرة عالميا وكذلك لوضعها في السياق الهادف إلى إعطاءها حجمها الحقيقي والأهمية التي تستحقها على مستوى المؤسسة العسكرية بالمغرب وخصوصا بالنسبة لجنود سنوات الحرب الأولى من سنة 1975 إلى سنة تاريخ وقف إطلاق النار سنة 1991 في مرحلة أولى والمرحلة الحالية التي يمكن نعتها وتسميتها بمرحلة اليقظة والترقب والمرافبة وهي لا تقل أهمية بخصوص انعكاساتها البدنية والنفسية على المحاربين.
إن أفراد القوات المسلحة الملكية المرابطة في الصحراء المغربية على طول الجدار الأمني يعيشون حالة حرب منذ 1975 وإن بدرجتين مختلفتين حسب المراحل المشار إليها أعلاه ، حالة تولد وضعا إنسانيا خاصا تحكمه ثلاثة هموم أساسية :
1-السلامة الجسدية والصحية
2-ظروف الحياة والمعيش اليومي
3-الابتعاد عن الحياة الأسرية والاجتماعية العادية
*على مستوى السلامة الجسدية والصحية والاستعداد البدني، يطارد هاجس الخوف من الموت أو الضرر الجسدي والإعاقة الجندي المحارب طيلة فترة تواجده في ساحة العمليات العسكرية وبالتالي فهو من جهة ، لا يفتأ يطور مهاراته القتالية ، سواء من خلال برامج التكوين والتدريب الرسمية داخل وحدته أو خارجها ، أو من خلال عمل ذاتي في الجانب الثقافي أو الرياضي البدني أو الذهني ، بالإمكانيات القليلة جدا والتي تكاد تكون منعدمة في الخطوط الأمامية لجبهات القتال ، ومن جهة أخرى يعمل على تحصين مواقعه ودفاعاته واستغلال جغرافية المنطقة وتضاريسها ومناخها من أجل الرفع من مستوى درجة السلامة وفي ذات الوقت مستوى الجاهزية والاستعداد لليوم المعلوم.
**على مستوى ظروف الحياة والعيش اليومي المتمثل بالأساس في المأكل والملبس والنظافة وما يرافقها ، حيث تحضر جملة من المعطيات من أهمها عوامل المناخ والطقس والتضاريس الوعرة وبعد المسافة عن المراكز الحضرية بالنسبة للمتواجدين في الجبهة ، هذا البعد الجغرافي ينعكس سلبا على مستوى التموين الغذائي ، على مستوى النوع والكم والكيف، هكذا يتعذر في الكثير من الأوقات اقتناء وإيصال بعض المواد الغذائية من قبيل اللحوم والأسماك وبعض أنواع الخضروات على مسافات بعيدة إلى الجبهة بسبب عدم قدرة تلك المواد على تحمل ظروف النقل ومدة التخزين المحدودة جدا بفعل عوامل المناخ والمسافة الزمنية ، كما إنه لا يمكن تحضير الكميات الوافية نظرا لغياب شروط التخزين ، كما أسلفنا، ونظرا كذلك لصعوبة بل استحالة توفير مخازن لهذا النوع من المواد وغيرها ، على الجبهة في متناول الوحدات القتالية لأنه لا ينصح به عملياتيا لان من شأنه خلق متاعب إضافية لهذه الوحدات ويحد من نجاعتها القتالية ويبطأ حركيتها ، إضافة إلى التكلفة المادية الباهضة لاختيار من هذا القبيل.
كل هذا يخلق لدى الجندي إحساسا بنوع من الحرمان من بعض المواد وعدم شبع من مواد أخرى وهو ما لا يمكن أن يمر بسلام تام على الوضع الصحي والنفسي للجندي..
**الابتعاد عن المحيط العائلي والاجتماعي ويعتبر أهم هذه العوامل جميعها في حياة الجندي والمحارب بشكل خاص ، بالنظر للضغط النفسي الكبير الذي يحدثه لديه والذي قد تكون له نتائج وخيمة على الشخص وعلى محيطه العائلي وكذلك على المحيط المهني ، لا سيما في الوحدات على جبهات القتال ، على الخصوص.
يظهر جليا من خلال ما تقدم أن العامل النفسي يشكل المحور الرئيسي للحياة العسكرية للجنود في وحدات القتال على الجبهة وفي تلك المرتبطة بها بشكل أو بآخر ومن تم نخلص إلى الضرورة الحيوية للاهتمام بالجانب النفسي للجنود والمحاربين المغاربة وتوفير الإمكانيات البشرية المختصة والإمكانيات المادية اللازمة وإعطاء الموضوع ما يستحق من أهمية ، سواء على مستوى الحكومة أو على مستوى المؤسسة العسكرية مع عدم التمييز بين العسكريين العاملين وقدماء العسكريين وقدماء المحاربين الذين يوجد من بينهم ضحايا كثيرون غادروا الخدمة العسكرية لسبب أو آخر وهم يحملون جروحا وأعطابا نفسية يصعب التعرف عليها وتحديدها في ظل غياب متابعة وعناية نفسية على مستوى الوحدات المقاتلة من أجل دراسة وتحديد المخاطر النفسية التي يتعرض لها الجنود والمحاربون.إن تواجد وحدات طب نفسي على مستوى كل وحدة عسكرية مقاتلة بات أمرا ضروريا بالنسبة للقوات المسلحة الملكية بالنظر لتواجدها في ساحة المعركة منذ حوالي 40 سنة من أجل الدفاع عن وحدة وسيادة البلاد وكذلك التواجد في العديد من بؤر التوتر عبر العالم ضمن تشكيلات أممية ضمانا للأمن الدولي.