كل المعطيات تؤكد بأن العلاقات التجارية بين المغرب وبريطانيا ضعيفة جدا إذ انحصرت قيمتها سنة 2015 في حوالي 14 مليار درهم منها 8 مليار واردات و 6 مليار درهم صادرات وهو ما يعني عجزا تجاريا مغربيا في حدود 2 مليار درهم، ولعل في ضعف القيمة خير محفز على التعامل مع الهزة التي تشهدها الساحة الأوروبية بمنطق موضوعي واستباقي تفاديا لتضييع الفرص التي يمكن أن تتاح، خاصة أن الإنتاج المغربي الموجه للتصدير ضعيف جدا مقارنة مع إنتاج زبناء انجلترا الكبار. يمكن تفسير بعض جوانب ضعف قيمة المبادلات الثنائية إلى انضمام انجلترا إلى الاتحاد الأوروبي، ذلك أن المغرب الذي يعتمد بشكل كبير في مبادلاته التجارية على الصادرات الفلاحية نحو الاتحاد الأوروبي، خضع لضغوطات الدول التي تنافسه وخاصة منها إسباني وفرنسا، لكن التفسير الأكثر موضوعية يحيل على ضعف الإنتاج الفلاحي المغربي الموجه للتصدير وعلى الصيغ المعتمدة في التفاوض مع الشركاء. لقد صوت البريطانيون لفائدة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن تصريحات المتضررين من هذه النتيجة مهما كانت عنيفة، لم تقف عائقا أمام فتح أبواب أخرى لجبر الضرر قبل وقوعه، فإلى حد الآن تمكن مناصرو البقاء في الاتحاد الأوروبي من فتح عريضة طالب فيها حوالي 2.5 مليون ناخب بإعادة الاستفتاء وبذلك صار البرلمان البريطاني ملزما بمناقشة هذا الموضوع، ورغم أن هذا الخيار لا يعول عليه مادام أن أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي قادرون بدورهم على طرح عريضة مضادة يمكن أن يوقع عليها عدد مماثل من الناخبين أو أكثر، إلى جانب ذلك بدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أكثر هدوء وحاولت التخفيف من حدة التوتر إذ دعت إلى الليونة عوض الضغط الذي اعتمده الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من خلال المطالبة بالشروع الفوري في تطبيق مساطر خروج انجلترا من الاتحاد الأوربي، ولعل اللغز المهيمن على الوضع الأوروبي الراهن يكمن في أن انجلترا التي دخلت إلى الاتحاد الأوروبي بدافع الاستفادة من مزايا السوق الأوروبية الواسعة وجدت نفسها تعاني من مخاطر سياسية تجاوزت حدود الحماية من غزو اللاجئين والمهاجرين وطرحت بحدة مشكل انفصال ايرلندا عن السيادة البريطانية، وحتى سكان جبل طارق الذين صوتوا بكثافة لفائدة البقاء في الاتحاد الأوروبي وجدوا أنفسهم اليوم مهددين بفقدان ما كانوا يتمتعون به من امتيازات وهو ما قد يحفزهم على البحث عن بذيل من غير المستبعد أن يكون هو الارتباط بإسبانيا. المشكل معقد ومن السابق لأوانه التكهن بما سيحصل، بدليل أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون اختار منطق التمطيط وأعلن بأنه سيستقيل في أكتوبر المقبل وأكد أنه سيترك مهمة معالجة ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي لخلفه، ولا شيء يؤكد بأن خلفه سيعمل على التعجيل بتنفيذ القرار خاصة أن القانون الأوروبي يعطيه مهلة سنتين، وهي مهلة كافية لدراسة النتائج الأولية لمرحلة ما بعد الاستفتاء وخاصة عل المستوى الاقتصادي الذي تميز غداة الاستفتاء بتدني سعر صرف الجنيه الاسترليني وبتراجع أسعار البتول من حوالي 50 إلى 48.5 دولار للبرميل. لاشك في أن الأوروبيين قادرون على معالجة مشاكلهم الداخلية بأساليبهم الخاصة، ومهما كانت حدة التصريحات الإعلامية وتضارب التحاليل فإن المصلحة الوطنية تفرض نفسها على الجميع وبفضلها تحققت التنمية رغم تداول السلطة بين اليمين واليسار طيلة عدة عقود، وإلى أن تتضح الصورة أكثر فإن الفاعلين في القطاع الفلاحي بالمغرب يعتقدون بأن المبادلات الثنائية سوف لن تعرف تحولا ملموسا في الموسمين الفلاحيين المقبلين، وفي هذا فرصة أمام كل الأطراف المغربية المعنية لكي تكثف المفاوضات المباشرة مع الأجهزة البريطانية المختصة. في هذا السياق ومن خلال تصريحات عبد الرزاق مويسات الفاعل في قطاع الحوامض تم التأكيد على أن انجلترا ليست دولة منافسة، وتعتبر ثاني مستورد أوروبي للحوامض والخضروات المغربية بعد فرنسا، وفي حال الخروج من الاتحاد الأوروبي فإن الحوامض المغربية العالية الجودة ستكون مؤهلة لولوج السوق البريطانية وخاصة منها الكليمانتين المازوزي، غير أن هذا يقتضي التعجيل بتكثيف الاتصالات للتأقلم مع الوضع الجديد، ويقتضي أكثر من ذلك التركيز في العمل الحكومي على معالجة القضايا الجوهرية التي يشتكي منها المنتجون والتي تتطلب تدخلات عاجلة وفعالة لتأمين الاستمرارية في الإنتاج وديمومته والرفع من جودته. أما تصريحات فؤاد بمعبد الجليل الفاعل في قطاع الطماطم فانطلقت من كون العلاقات الثنائية سوف تبقى خلال السنتين المقبلتين على ما هي عليه، ولكن طبيعة المعايير المعمول بها، والتي تركز على معايير الصحة والسلامة، والأمن الغذائي، وتركز بشكل خاص على المعايير الاجتماعية، تفرض على المغرب الدخول فورا في مفاوضات مع انجلترا للتأقلم مع الوضع القانوني الذي قد ينتج عن نتائج الاستفتاء، وانطلاقا من تجارب السنوات السابقة أوضح بنعبد الجليل أن دول شمال أوروبا بما فيها انجلترا وهولندا وألمانيا لم تكن متشددة في المفاوضات الفلاحية التي خاضها المغرب طيلة عدة سنين مع الاتحاد الأوربي لأنها على عكس إسباني وفرنسا، ليست منافسة للمنتوج المغربي. بقي أن نشير إلى أن المغرب الذي ضيع عدة فرص مطالب بتسخير مؤهلاته في إنقاذ ما يكمن إنقاذه، وسواء انفصلت انجلترا عن الاتحاد الأوروبي أم لم تنفصل فإن المؤهلات التي تجعل من المغرب صلة وصل بين إفريقيا وباقي دول العالم تحتاج إلى تكثيف كل الجهود من أجل تقوية الجبهة الداخلية وتوفير المناخ الاقتصادي الذي يساعد على جلب الاستثمار وعلى رفع الإنتاج والمردودية في ظل شروط تحترم المعايير الدولية ، فإذا كانت المكسيك بمفردها تصدر للولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي 1.5 مليون طن من الطماطم فما الذي يمنع المغرب من التوجه نحو تبني سياسة إنتاجية تؤهله لتطوير وتنويع عرضه من المنتجات الموجهة للتصدير، ليس فقط على المستوى الفلاحي ولكن كذلك على مستوى قطاع النسيج وغيره من القطاعات المنتجة لمناصب الشغل ولفائض القيمة.