إن الأحداث التي تعرفها الخريطة العربية : من فلسطين الى العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن ومصر والجزائر وتونس وبعض دول الخليج العربي، تجعل العالم العربي من محيطه إلى خليجه، يعيش ثورات وانتفاضات وصراعات وحروب وانقسامات، يمر بمرحلة من التداعي النفسي، لا أحد يستطيع تحديد آلامها البئيسة، ولكنها بكل تأكيد سيكون لها آثارها العميقة في تشكيل الصورة المستقبلية للوطن العربي. وخصوصا فيما يتصل بوجوده كقوة ودين وحضارة وهوية وقيم...وهذا التداعي لا يطرح نفسه فقط على المسار السياسي والحضاري والاقتصادي للخريطة العربية، ولكنه يطرح نفسه بقوة وعنف وإلحاح على العقل العربي، على قدرته على مواجهة آثار احتلال فلسطين، وآثار العنف والخوف والعدوان والإرهاب على تضاريس الخريطة العربية من المحيط إلى الخليج.
والمتتبع للأحداث المؤلمة على خريطة الوطن العربي، يدرك بسهولة ويسر...وربما يدرك بألم أيضا، أن الفكر العربي اليوم يواجه مأساة التداعي التي يعيشها الإنسان العربي بنوع من الذهول والحيرة، وكأنه لم يعد يستطيع أن يستوعب ما يدور حوله من قضايا وأحداث وتداعيات...ذلك أن عنصر المفاجئة التي تتركها الأحداث هنا أو هناك، أصبح يتجاوز احتمالات أو تنبؤات هذا الفكر.
السؤال المحير: من يقف وراء هذه الأحداث...؟ ومن يغذيها، وبالتالي إلى متى سيظل الفكر العربي متوقفا...إلى متى سيظل يبحث عن مخارج للازمات الناتجة عن هذه الأحداث...؟.
ما يعيشه العالم العربي من ثورات وانتفاضات وصراعات وحروب وانقسامات، رغم روابط التاريخ والدم والدين والقيم والعروة الوثقى، يفرض علينا قليلا من التأمل لمعرفة أسباب هذه الحالة التي تتجاوز المنطق والطبيعة.
على خريطة الواقع، نجد الأمة العربية مشتتة ومجزأة ومصابة بداء الانقسام والاختلاف.
ونجد الأمة العربية متخلفة حضاريا، وتخلفها ناتج عن أوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ونجد الأمة العربية، أمة تابعة، لازالت بعض أراضيها محتلة.
ونجد الأمة العربية مطبوعة بالفساد وباختلاف المصالح وتعدد البرامج السياسية.
ونجد الأمة العربية، ما زالت تعاني من السياسات الاستعمارية، التي قسمت الشرق العربي إلى دويلات، وخلقت الغش بين شعوبه، بعد أن خلقت الكيان الصهيوني وغدته بالمال والسلاح والتكنولوجيا وهو ما عمق فجوة الاختلاف بين البلاد العربية.
وأخيرا نجد ظهور النفط في بعض البلاد العربية وآثاره السلبية، وهو ما خلق تحالفات مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وخصومات عميقة مع الدول العربية التي لم يظهر على أرضها السائل الأسود(1).
فهل سيبقى العالم العربي ضمن مرحلة التعبير الشعري لما يدور حوله من أحداث وصراعات وحروب...أم أنه سيتسلح بالرؤية العلمية لقراءة هذا الزخم من التداعيات المخيفة...؟
متى يحدث ذلك...
هل بعد فوات الأوان ؟
عفوا...ألم يفت هذا الأوان بعد ؟
من الأكيد، أن غياب الرؤية العلمية التي يجب أن نفهم خلالها قوانين الأشياء، لا يعني سوى فقدان البصيرة... وتلك هي الهزيمة الكبرى التي ينتظرها كل أعداء وخصوم الخريطة العربية.
أفلا تدركون ؟
أفلا تنظرون ؟
*******
(1) محمد كريم / ثورة الملك والشعب / جريدة العلم 17/3/2011