"نفار" رمضان... هل دخل هو الآخر متحف التراث المغربي..؟

"نفار" رمضان... هل دخل هو الآخر متحف التراث المغربي..؟

إضافة إلى أنه شهر الاستهلاك والبدخ ورمي أطنان من الأطعمة المستمرة الصلاحية في حاويات الأزبال، فإن رمضان أيضا، هو موعد لميلاد مهن جديدة واختفاء أخرى تجاوزها الزمن وانتهت الحاجة إلى خدامها. فكما أن الكراب تحول من سقاء للعطشى إلى تحفة تقليدية يزين الليالي المغربية بمختلف المناسبات السياحية، فإن النفار في طريقه إلى أن يدخل متحف التراث الشعبي المغربي عما قريب. ويكفي اختفاؤه من جل الأحياء الراقية والمتوسطة الرقي البيضاوية، مع اقتصار حضوره الخجول على بعض الأحياء الشعبية التي تصر على تحدي الزمن والحاجة من أجل الاحتفاظ بالموروث الثقافي والشعبي الإنساني الذي يمثله النفار والطبال والكراب.

مصادفة "نفار" خلال الساعات الأخيرة التي تسبق الفجر وموعد الإمساك، يعد مهمة صعبة إن لم نقل مستحيلة ببعض الأحياء البيضاوية. وكأن الرجل ونفاره نأيا بأنفسهم عن إزعاج أناس يشككون في حاجتهم إليه. أو أن هذه المهمة المرهقة المتجلية في إيقاظ الصائمين من أجل السحور في مدينة تضم قرابة 6 ملايين نسمة، لا يقدر عليها غير أشخاص متميزون تحولوا إلى عملة نادرة. تقول نعيمة، البالغة 42 سنة، نكتشف في رمضان كل سنة أن شيئا من تراثنا قد اختفى دون سابق إنذار، وكأن هذا الشهر يلخص ما آلت إليه أمورنا الدينية والدنيوية. فلم نسمع هذه السنة وإلى حد الآن صوت نفار وكأن القاطنون بالحي لا يؤدون شريعة الصيام، مضيفة "لا أظن أن مهنة النفار ستستمر طويلا في الوجود، مادام التلفاز والمقهى والمنبهات الصينية قد استوطنت مكانه في عاداتنا اليومية". فكيف سيسمع المرء صوت "النفار" بهذه العمارات الشاهقة، تتساءل المتحدثة، في وقت لا يرقد في فراشه إلا ساعة أو ساعتين قبل موعد تجوال النفار لإيقاظه للسحور.

نفار حتى لموت

أمام تنكر الصائمين لدور "النفار" واعتبارهم مهنته متجاوزة زمنيا، يستغرب البعض لإصرار هذا الجيل الأخير من "النفارة" الذين يلحون على البقاء والاستمرار في ممارسة مهنة لا دخل لها. يقول أحمد "نفار" بحي "أرتزانا" التابع لمقاطعة بنمسيك: "الذي دفعني إلى مواصلة ممارسة هذه المهنة الرمضانية الكثيرة الشقاء، والكثيرة الحسنات أيضا، هو أنني توارثثها عن أبي وأجدادي من قبله. لذا أكتري نفارا مع اقتراب شهر رمضان من مجموعات "الدقة المراكشية"، وأخرج جلبابي الأبيض وبلغتي الفاسية، وأستعد لجولاتي الليلية مع مقدم كل رمضان". أحمد شاب معطل، مستواه التعليمي لا يتجاوز السادسة ثانوي، لكن طموحه كبير لإيجاد عمل قار بعد انقضاء شهر رمضان، وقد وجد في "النفار" فرصة لإمضاء ساعات الليل الطويلة بدلا عن الجلوس بالمقهى إذا ما توفرت لديه الإمكانيات المادية لذلك. وفي هذا الاتجاه، يؤكد أحمد "يحدثني أصدقائي على التوقف عن ممارسة هواية النفار لكنني لا أستطيع الاستجابة إلى طلبهم هذا، فلأنني معطل لا أميل لقضاء ثلث يوم الصيام في النوم وتلثيه واقفا على قارعة الطريق أنتظر مضي ساعات اليوم الطويلة. ثم إن ممارسة "تنفارت" تشعرني بأنني أصلح لشيء ما ولست منعدم الفائدة كليا". لا يجني أحمد وغيره من "النفارة" سوى دريهمات معدودة، ولا يتم ذلك سوى بعد انتهاء رمضان، ليلة العيد أو صبيحته، وذلك من "الفطرة" التي يقدمها الناس للمحتاجين. وبعد أن كانت العادة هي تكريم الصائمين لهذا الشخص، وأصبح بدلها ذلك أن يصم غالبية الصائمين آذانهم بمجرد سماع رنين جرس. يتحسر حمد: "نحن لا نطمع بالدرجة الأولى في دريهمات الناس، وأن معظم من يمارس هذه المهنة التي أفضل أن تنعت بالهواية، لا ينتظرون الحصول على مال كثير من الصائمين، إذ تنتهي الرغبة في الحصول على الحسنات، وفي أحسن الأحوال الاستفادة من الفطرة. هذا في الحين الذي يظل سوى بعض المحسنين الذين يعترفون بالجميل، ويشجعون هذه المهنة أو الهواية على البقاء رغم كل العقبات التي تكاد تنهي وجودها إلى الأبد".