ليس خافيا أن المغرب يعيش تأخرا ملحوظا بخصوص ميدان العمل الجمعوي ، كما وكيفا وتعزى الأسباب لعدة عوامل ، نجد على رأسها الإطار التشريعي العاجز عن الاستجابة لحاجيات فئات عريضة من المجتمع ، كما هو الشأن بالنسبة لشرائح واسعة من موظفي الدولة وقدماء حاملي السلاح من محاربين وعسكريين وغيرهم. إن الوعي الكبير الجديد لدى هذه الفئات وغيرها بالأدوار الكبيرة الممكن القيام بها في الميدان الجمعوي، على تعدده وتنوعه، سواء على مستوى التنظيم والتأطير أو كقوة اقتراحية بأفكار ومشاريع من أجل تنمية بشرية مستدامة، يفرض مواكبة تشريعية وقانونية في مستوى التحديات المطروحة على كل المستويات ، أمنيا و اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ، كما يفرض إلغاء كل أشكال التمييز بين الهيآت الجمعوية ورفع الحظر عن دخول بعض القطاعات وبعض الفئات إلى ميدان العمل الجمعوي وإرساء مبادئ العدالة والمساواة في التعامل معها. إن العمل الجمعوي يجب ألا ينحصر في مجرد فضاءات مهنية أو فكرية أو فضاءات للدفاع عن مصالح فئات معينة ، فيما يشبه العمل النقابي أو الحزبي ولكن يجب أن يرقى إلى مستوى العمل المواطناتي الشامل الذي يفترض تحمل المسؤولية الاجتماعية والحقوقية بحس وطني عالي لا يذخر جهدا في البذل والعطاء التطوعي المجاني ن البعيد كل البعد عن المصالح الذاتية الضيقة في أبعادها الانتهازية والوصولية. لأجل بلوغ هذه الأهداف يتوجب تكريس دور مؤسسات الدولة وتفعيل أدوات المراقبة الشعبية على كل المستويات وضمان استقلال القضاء وتوسيع الحريات والحقوق وتطوير الديمقراطية المحلية واحترام مبادئ تكافؤ الفرص بين المواطنين بدون تمييز بين الجنس أو أي شكل آخر من أشكال التمييز. إن الوضعية الراهنة للعمل الجمعوي تعكس أوجه الاختلالات الكبيرة في البلاد المرتبطة بالصراع حول مناطق النفوذ الاقتصادي والمالي والاجتماعي المدني والذي ليس سوى الوجه الخفي للصراع الحقيقي على الحكم والسلطة في ظل هذه المعطيات وأخرى خاصة ، لا نستحضرها، تجد الجمعيات الخاصة نفسها حبيسة قوانين وضعت في غياب المعنيين بالأمر أو ممثليهم الحقيقيين، قوانين تتناقض مع مبادئ الحقوق والحريات الضامنة للعمل والفعل الجمعوي بكل أشكاله و كذلك تعليمات تضرب استقلالية الجمعيات وتفرغها من مضامينه وصفاتها وتحولها إلى مجرد مليشيات وحياحة وأبواق دعاية في دكاكين تعرض سلعا فاسدة ومغشوشة محتكرة بامتياز.