منذ عشرون سنة كنّا كل يوم أربعاء ننتظر رسالة باريز لفقيد الإتحاد محمد باهي رحمه الله، كنّا شغوفين بالإطلاع على ما تحمله من معطيات جديدة حول تاريخ المغرب، بل صورة عن حقبة زمنية زاخرة لم نعشها ولكن سجلها مناضل شريف، نموذج، لرجال قل نظيرهم اليوم، كان محمد باهي مناضلا اتحاديا صحراويا له موقف آخر من صراع شغل المغاربة لسنوات ولازال، رحل سي محمد بغتة في الوقت الذي كنّا في أمس الحاجة إليه ليساهم في تصحيح تاريخ الصحراء الذي سعت فئة ضالة من قبائل الجنوب إعادة صياغته على مقاسهم حتى يضللوا به الناس وأتباع قلائل كانوا يؤمنون بالفكر الماركسي، وإقامة مشروع دولتهم لزعزعة دولة المخزن الذي اعتبروه منذ انطلاق ثورتهم في جامعة محمد الخامس في الرباط، رحل باهي الذي كنّا نحن الإتحاديين نعتبره رجلا من أبناء المناطق الجنوبية الذي آمن بالفكر الإشتراكي، والمعارض الشرس للإنفصاليين الذي روج له قائد جوقة البوليزاريو الذي رحل الأسبوع الماضي، دون أن يحقق حلم مشروعه لكوبا على جزء من التراب المغربي بدعم من دولة الجزائر الذي لعب المغرب في عهد المرحوم محمد الخامس طيب الله ثراه دورا مهما في حصولها على الإستقلال. باعتراف الشرفاء من أبناء هذا البلد الجار.
لو لم تخطف يد المنون محمد باهي منذ عشرين سنة خلت في وقت كنّا في الإتحاد نعقد عليه أملا كبيرا في قيادة حوار مباشر مع أبناء جلدته الضالين، وكان القادر على إقناعهم لأنه كان يحمل فكرا اشتراكيا مثلهم فكرا ا ثوريا ضد الإمبريالية العالمية، والذي كانوا يسوقوه، فكرا ضد النظام القائم في المغرب، رحل محمد باهي واستمر الصراع في الصحراء، ورحل محمد عبد العزيز المراكشي وهو لقب ألصق به حسب صديقي عبد المجيد بلغزال المنحدر من الأقاليم الجنوبية والذي أجريت معه حوارا عبر الأثير مباشرة من المغرب هذا المناضل الصحراوي الوحدوي الذي تقاسم مع محمد باهي ومحمد عبد العزيز أفكارا اشتراكية، لازال يؤمن بالحل السياسي ويدافع عن مشروع سياسي جد متقدم لإقناع أبناء الوطن الواحد الظالين، المغرر بهم.
إذا مات محمد باهي، فمازال في المغرب رجال يحملون الأفكار التي يحملها المرحوم ويسعون لتحمل المسؤولية بالفكر الذي آمن به محمد باهي لقيادة حوار هادئ يختلف عن المرحلة التي عمرها الصراع.
أريد أن أربط ذكرى الإحتفال بمرور عشرون سنة على رحيل محمد باهي بإشارة عابرة لوطني صادق أقنعني بفكره وبطريقة نقاشه في تدبير قضية الصحراء التي تعرف تحديات كبرى لا سيما بغياب محمد عبد العزيز. رغم أنه يعتقد بأن رحيله لا يشكل تأثيرا كبيرا على الصراع وأتباعه.
إذا كان المغرب زاخر برجاله، الذين يسعون باستمرار لترك بصمتهم في تاريخه فهناك بخلاف هؤلاء من لا يستحق أن يذكرهم التاريخ لأنهم ليس أهلا لذلك، تزامن أسبوع إحياء ذكرى رحيل محمد باهي زيارة وفد مغاربة العالم إلى المغرب لإقناع الحكومة والأحزاب السياسية بضرورة تفعيل بعض بنود الدستور التي بقيت دون تنزيل، في هذا الوفد كان مندسين تسابقوا لإجراء حوار مع جريدة وطنية لغرض في نفس يعقوب قضاه، صديقنا كان يسعى للزعامة ولأخذ الصور بربط العنق وفي الصف الأمامي بعد تصفحي لكل الصور الواردة، كعادته استغل تواجده في الرباط ودون علم منسق الوفد للإدلاء بتصريح عن رحلتهم الصيفية، في الوقت الذي كان فيه منسق المبادرة منشغلا بإحياء محمد باهي رحمه الله، وهو الوحيد الذي كان مؤهلا لهذا التصريح لقول حقيقة ماجرى، تصريحات هذا المندس الذي لا تاريخ له في الهجرة، لم تفاجئني، بل أكدت تحذيراتي ومعارضتي الصريحة لتواجده في الوفد لأنه في الحقيقة رجلا لا يستحق أن يكون ضمن الوفد، في الوقت الذي تم تهميش فعاليات وقعت على المبادرة.
ما حصل يجب أن يبقى للذكرى وعبرة لتجاوزها في المستقبل.