سئلت عن رأيي حول ما صرح به الأمين العام لحزب يساري، على هامش المؤتمر الوطني لحزب الطليعة، تجاه الشعار واليسار، فرددت مع الجميع تلك العبارة/ السؤال، التي كادت تتحول إلى أسطوانة مشروخة: من يحاسب من؟ من يملك الحقيقة؟ وهل من حقنا أن نصف الهيئات والمجموعات والتيارات والمبادرات انطلاقا من وجودها، حسب تمثلاتنا، على الجانب الأيمن الذي نقف فيه؟ والحال أن التاريخ، الذي يحتكم لهندسة الفضاء المتعدد الزوايا والمحاور والمراكز.. ففي نظر البعض أن الاشتراكي للقوات الشعبية يميني بالنسبة لفدرالية اليسار، وهي مكونة من أحزاب سياسية لم تنسجم بما يكفي حول الحد المتوسط المطلوب، في انتظار التفكير في الاندماج المنشود.. وهذه الفدرالية هي ليست يسارا ولا حتى على يسار النهج الديموقراطي الذي يعتبر يمينيا لدى النهج القاعدي أو تيار المناضلة أو لدى بعض قدماء قياديي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، في الداخل والخارج، الذين يشاغلون بمثابة مؤسسات مستقلة بذاتها ، ينتقدون وينقضون كل الأطروحات والمواقف .
من الأمور التي أتفق فيها مع التصريح أعلاه هي عدم وضوح المخاطب، أي من هو اليسار، ومن يشكل استمرارا لحركة التحرير الشعبية أو الحركة الماركسية اللينينية، ليس من زاوية أنطولوجية أو تاريخية أو حتى سوسيو أنتروبولوجية، لكن من زاوية تفعيل محاسبة الاستراتيجيات والمواقف..
وفعلا لا يمكن لأي عاقل إلا أن يتساءل عن عدد كبير من الأخطاء القاتلة التي ارتكبت خلال مسار الحركة التقدمية والمحسوبين عليها على الخصوص.. فليس غريبا أن يتم التركيز على محاسبة الأحزاب التي، ليس لها تاريخ فقط، ولكن لها وجود نضالي وقانوني أيضا.. فكم مرت علينا تيارات ومبادرات وبرامج، لم نستطع ولن نستطيع نقدها وبالأحرى محاسبتها سياسيا ومساءلة فكرها واستراتيجياتها المعلنة، حيث لا تنظيم لها قار ولا قيادات لها معلنة ولا هي مصرح بها قانونا، مما يستدعي سؤال المأسسة وعدم الاكتفاء بالاختفاء وراء «الشرعية النضالية» والطهرانية الزائفة التي تبرر عدم الانخراط اليومي في الشأن العمومي بكل مسؤولية سياسية وقانونية. فهناك حقيقة سوسيولوجية تجعل الناس يحاسبون الهيئات المستمرة في الزمان والمكان والقانون، رغم ضعفها ووهنها، بسبب القمع أو الانحراف، ولكن لا أحد يحاسب التيارات العابرة للمنظمات الجماهيرية والنقابية والمدنية، فهي مجرد فعاليات ذاتية، تحمل معها حصانتها أو براءتها، بمجرد تغيير لونها أو انسحابها من المعترك إلى الضفة الأخرى.. والمقام لا يسمح بمزيد من التوضيح، ويكفي إحصاء عدد الذين ارتقوا اجتماعيا، طواعية أو انتحارا، ليتضح بأنه يصعب محاسبتهم ما داموا بدون هوية تنظيمية قارة أو لهم اصطفاف ضمن لائحة هلامية عابرة مضخمة الانتظارات والشعارات، وكل فرد يعتبر نفسه قائدا في معسكر فقير إلى جنود العلن أو الخفاء حتى.
وحتى لا نبخس الناس أشياء، فالتاريخ، مع ذلك، يحتفظ بالحق في الاعتراف للذين حرروا حرفا لفائدة الوطن أو ضخوا نفسا في رئته والتي أنهكتها عقلية «أنا وحدي نضوي البلاد». والحال أن الصراع سياسي وفكري لا يمكن مأسسته بالتخوين والتبخيس، فالتنافس ينبغي أن يكون شريفا من الناحية الإثيقية، في انتظار غودو .