ما بثته قناة فرانس 3 الفرنسية العمومية في فرنسا حول الملك محمد السادس ليس تحقيقا، فهو لم يصل درجة الكشف عن حقائق غير معروفة، ولذلك فهو روبورطاج تلفزي مطول، ينقل مجموعة من المعلومات والمعطيات المعلومة، والتي ستجد بعضها حقيقيا وبعضها مكذوبا.
مهنيا يفتقر هذا العمل لعنصرين أساسيين في الجانب التقني؛ قلة المشاهد المصورة، ثم غياب الوثائق والحجج على ما يقال.. اللهم الاستناد إلى ما كان قد نشر في عدد من الصحف والمجلات والكتب، وبعض التصريحات.
ومن الجانب المهني أيضا، فهذا الروبورطاج يقدم رواية واحدة للأشياء، ويضرب عرض الحائط قاعدة مهنية أساسية في مثل هاته الأجناس الصحفية، وهي الاستماع إلى كل الأطراف، وتقديم الرواية والرواية المقابلة، وهو ما يفهمه الناس اليوم بشعار "الرأي والرأي الآخر".
فالتلفزة العمومية الفرنسية الثالثة جاءت بمتدخلين معروفون جميعهم بمواقفهم المعارضة للنظام وبشكل معلن. فمن يمثل الدولة والنظام والقصر الملكي في هذا الفيلم التلفزي... لا أحد. ولذلك يصبح العمل كله ناقصا منقوصا.. وغير مقبول، لأنه متحيز لا محايد.
وهو ما خلف لدى عدد كبير ممن شاهدوا ما بثه التلفزيون موقفا سلبيا من الربورطاج، مقابل تعاطف مع الملك.
أما ما كتبه كثيرون بما مضمونه ومعناه: "لا دخل لفرانس 3 في المغرب ولا حق لهم أصلا في إنتاج فيلم تلفزي أو تحقيق أو روبورطاج حول الملك والمؤسسة الملكية أو المغرب عموماً..." فهو كلام ليس في محله؛ لماذا؟
لأن من حق أي صحفي في أي مؤسسة إعلامية وفي أي دولة أن يعالج أي موضوع يريد من أي مكان.
بل عوض هذا الكلام يجب أن نتساءل عن دور الإعلام المغربي خاصّاً وعامّاً في ميزان المبارزة الإعلامية العالمية. وهل سينتج الإعلام المغربي برامج ضد الدولة والنظام الفرنسي... وإذا بادر صحفيو التلفزة في المغرب إلى ذلك، فهل سيُبارَك عملهم أم سيقمعه من "فوقهم" بحجة عدم إثارة مشاكل مع حليف استراتيجي ومستعمر تاريخي.
لهذا ربما نحن بحاجة اليوم لفسح المجال لقنوات تلفزيونية خاصة، حرّة ومستقلة تدافع عن الوطن وترفع الحرج عن الدولة.
وبغض النظر عن كون ما جاءت به فرانس 3 والطريقة التي أخرج بها؛ فهذا لا يعني أن كل ما جاء فيه مفبرك، بل هو أمر معلوم.
فهل سيُسمح اليوم بمناقشته داخل المغرب في المحطات التلفزية والإذاعية من دون منع قبلي أو عقاب بعدي؟ وهل يمكن أن يسمح لبرنامج تلفزي بالتحقيق في ثروة الملك وشركاته؟
وإذا نشر منبر ورقي أو إلكتروني تحقيقات عن الاستثمارات الملكية، ألن يوضع في خانة "المغضوب عليهم والضالين".
وحتى لا يبقى لدى الفرنسيين ولا الأمريكيين وسواهم ورقة المزايدات والضغط على الملك وخلق الفجوة بينه و النخبة والشعب... من الأفضل أن يُلعب الورق على الطاولة وبالمكشوف، بصراحة وبشفافية.
فالمغاربة، إلا أقلية صغيرة جدّاً، يحبون ملكهم ويثقون فيه؛ ولا يمانعون في أن يكون مستثمرا وفاعلا سياسياً واقتصاديا رئيسيا. والحديث هنا عن المغاربة الحقيقيين لا عن علي، ربيعة.. هشام ورضى و"الآخرون". أولئك الذين اختاروا رغد العيش بين نيويورك وباريس وما جاورهما، وجاء الروبورطاج بهم تحت صفة "المنفيون"، وهم في الأصل مهاجرون.
وهنا ففسح المجال للصحافة المغربية لتتطرق لمواضيع تخص الملك والمؤسسة الملكية دون قيود، أمر أساسي، حتى إذا شبع المغاربة أخبارا ومعلومات عن ملكهم، لا تصدمهم بعدها الأفلام الأجنبية عن الملكية.