محامي خولة النخيلي: الذين ساهموا في الصلح بين خولة وبوطازوت لم يحترموا السرية

محامي خولة النخيلي: الذين ساهموا في الصلح بين خولة وبوطازوت لم يحترموا السرية

بعد الجدال الذي رافق حادثة إصابة الفنانة "دنيا بوطازوت" بضربة رأسية في مقاطعة بالبيضاء وتعرضها لكسر بأنفها، بسبب نزاع حول "احترام طابور الصف" بينها وبين الشابة خولة، حكمت المحكمة على الأخيرة بشهر موقوف التنفيذ، وسبق ذلك سيناريو أحداث متسارعة تضامن خلالها رواد الفايسبوك مع خولة وأنشأوا صفحة "كلنا خولة".. لكن أطل والد الشابة خولة من خلال بعض المواقع الإلكترونية على متتبعي الملف، مبرزا أن "التسامح" أرخى بظلاله على القضية، وطالب رواد الإنترنت والإعلاميين بإقفال الأفواه، وهو الذي كان قبل ذلك يقصف "بوطازوت" بعبارات اللوم والغضب بعد اعتقال ابنته.

قضية "نطحة بوطازوت" عرفت ازدواجية في التصريحات من كلا الطرفين، وشكلت حديث العام والخاص، وطفت على واجهة الأحداث تدخلات ومحاولات علنية وخفية لطي الملف، فكان أن قدم دفاع "بوطازوت" تنازلا كتابيا أمام الهيئة القضائية، وعاد نفس الدفاع لسحب التنازل، ثم الرجوع عن ذلك.. لكن بعد إطلاق سراح خولة التي كانت تمني النفس بالتقدم إلى مباراة لولوج سلك الدرك، اكتشفت رفقة عائلتها أن الحكم سيحرمها من سجل عدلي نظيف، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر على مستقبلها المهني.

"أنفاس بريس" التقت بمحامي خولة (الأستاذ عتيق بن عبد الحميد)، الذي أمطر المواقع الإلكترونية بتصريحات منتقدة لطريقة اعتذار عائلة موكلته خولة لـ "دنيا بوطازوت".

+ هناك من رأى بأن تصريحاتك عبر المواقع الإلكترونية قبل صدور الحكم، ألبت الرأي العام ضد الفنانة دنيا بوطازوت، وآخرون وصفوا تصريحاتك بالخرجات الإعلامية لتحقيق "البوز".. فبماذا ترد؟

- أولا: لابد أن أشرح أمرا مهما، التصريحات التي ذكرتَ، ليست خرجات إعلامية بالمفهوم السلبي، هي مجرد توضيح، بحكم أننا كنا ننوب عن خولة في الملف. وإذا رجعتَ للتصريحات -وأنا على يقين أنك شاهدتها- فما كنت أصرح به هو ما وقع في مجريات المحاكمة، كنا نقول إن الصلح خير، وخولة كانت في فترة حاسمة في الملف تحتاج للبراءة أكثر من التنازل.. هذا ليس خروجا إعلاميا لتحقيق "البوز" أنا مع إحقاق الحق، وهذا تنوير للرأي العام ولعائلة خولة، فهي طالبة مازالت تتابع دراستها، وينتظرها مستقبل مهني، يمكن أن يؤثر عليه الحكم عليها بالسجن.

ثانيا: الآن تأكدت مسألة إدانة خولة بالسجن الموقوف التنفيذ، ماذا كان علينا إذن فعله في السابق، هل ننتظر حتى صدور الحكم؟ في إطار مهمتنا كدفاع في الملف، أخبرنا خولة وعائلتها بإمكانية تعرضها للعقوبة الحبسية التي ستؤثر لا محالة على مستقبلها وشكل ذلك تهيئا لها للتعامل مع الظرف الحالك الذي تمر منه رغم عدم تقبلنا وتقبلها للنتيجة. والدليل هو أنها لم تصب بصدمة كبيرة بعد النطق بالحكم، إذ جاء ذلك بناء على حيثيات الملف وطريقة الاعتذار والتنازل. ونحن كمحامين لا نفقد الأمل ولو كانت نسبة البراءة ضئيلة جدا. والحال أننا كنا ندفع ببراءة خولة طبقا للفصول المتعلقة بالقضية.

+ لكن كيف يمكن لك كمحامي أن تدفع ببراءة خولة في ظل ما تعرضت له الفنانة دنيا بوطازوت من ضرر جراء الحادثة، إذ تسببت لها في كسر مزدوج في الأنف وحصلت على شهادة طبية تثبت الضرر الجسدي والعجز بمدة زمنية تستوجب وضع المتهم بالتسبب في ذلك رهن الحراسة النظرية في انتظار محاكمته التي غالبا ما تسير نحو الإدانة؟

- الشهادة الطبية تثبت الإصابة ولا تثبت مجريات الحادثة وتفاصيلها.. أنا اعتبرت أن خولة كانت في دفاع شرعي عن النفس، أحب من أحب وكره من كره، ويتضح الأمر بالنسبة لي من خلال مقارنة الهيئة الجسدية لخولة مع المشتكية "بوطازوت"، فخولة لا تتعدى في الوزن 50 كيلوغرام.. وإذا رجعنا لمقتضيات المادة 124 من القانون الجنائي، التي تقول بأن من الأسباب التي تمحو الجريمة وجود الإنسان في حالة دفاع شرعي، بمعنى أنه يكون مضطرا للدفاع عن نفسه، ولا يمكن أن يتخلص من تلك الوقائع أو الشخص الذي يهم بإلحاق الضرر به، إلا بالدفاع عن نفسه، مع وجود الحال المؤدي لذلك والتناسبية من خلال الحيثيات المتعلقة بالفعل ورد الفعل.. وحسب الوقائع التي جاءت على لسان خولة فهي لم تستعمل سكينا أو عصا، كانت تريد التخلص مما أقدمت عليه "بوطازوت" إذ أمسكت بها في بداية الحادثة، والضربة الرأسية التي أصابت "دنيا بوطازوت" لم تكن مباشرة، فخولة أقصر قامة منها، وكانت هي تشدها للأسفل فوقع ما وقع..

+ قد يتم تحوير كلامك إلى الإشادة بإلحاق الضرر بمن لم يحترم الصف في المقاطعة أو ما شابهها رغم أن الفنانة دنيا بوطازوت صرحت مرارا أنها احترمت الصف، فهناك من سيفهم من خلال جوابك بأن هذا السلوك، أي أخذ الحق باليد، مباح، بحكم أنه كان على "خولة" إذا كانت مسألة عدم احترم "بوطازوت" للصف حقيقة، أن تشتكي لرئيس القسم بالمقاطعة أو تسلك أي إجراء قانوني أو إداري بعيدا عن التلاسن والشجار..

- يجب أن نسمي الأسماء بمسمياتها، بوطازوت ارتكبت خطأين الأول: عدم احترام الصف، والثاني: رجعت للشجار مع خولة. لنفترض أن خولة تلفظت بكلام ما في حقها، كلنا نعلق على مثل هذه الأمور، هل يجب إسكات الأفواه حتى في التعبير عن سلوكات غير مقبولة؟؟ عندما نخطئ يجب أن نتأسف وأن لا نتفلسف.. كان على "بوطازوت" بعد قضائها لغرضها بتلك الطريقة أن تغادر المكان وأن لا تدخل في شجار غير محسوب العواقب.. ليس هناك مواطن من درجة أولى أو درجة ثانية، كلنا سواسية. رجوع "بوطازوت" أعقبه صفعة وإمساك وجر لخولة، فكان ما كان، وكانت خولة تريد أن تتخلص من ذلك.. وحادث إصابة "بوطازوت" لم يحدث لأن خولة أرادت إرغامها على احترام الصف، بل انتقدت سلوك "بوطازوت" وهي فنانة يجب أن تتقبل ذلك. عندما يقدم الفنانون وصلات تحسيسية عن سلوك المواطنة في التلفزة والمذياع يجب عليهم أن يلتزموا به قبل غيرهم لإعطاء القدوة الحسنة.

+ تصريحات أب خولة في فترة سابقة للنطق بالحكم، أشارت إلى أن الصلح تم وأن التسامح بدر من الفنانة "دنيا بوطازوت" بطريقة إنسانية إلى حد وصفه بالتسامح العائلي.. ما هو تعليقك على هذا الأمر؟

- بعد التنازل توضحت الصورة أمام أب خولة، ولم يرض على تصريحاته التي تلت مباشرة فترة تقديم التنازل من طرف دفاع "بوطازوت"، وحتى ابنته خولة قالت بعد خروجها من المعتقل: "أهون لي أن أبقى في السجن على أن أهين المغاربة الذين وقفوا بجانبي وساندوني في محنتي".. وأكتفي بهذه الأجوبة لأنها بدرت من لسان المعنيين مباشرة بالأمر أي الأب وخولة.

+ علما أن تنازل المدعي (بوطازوت) لا يسقط الحق العام في مواجهة المدعى عليه (خولة)، راج  أن دفاع الفنانة "دنيا بوطازوت" قدم تنازلا لهيئة المحكمة وتراجع عنه بعد ذلك.. هل يمكن أن يتم تقديم التنازل أمام هيئة القضاء ثم سحبه مرة ثانية؟ وهل فعلا تم التراجع عن التنازل؟

- تلقينا التنازل أول مرة بارتياح كبير، كلنا نسعى للصلح ونستهدف إطفاء نيران الغضب، لكن الطريقة التي رافقت التنازل من خلال التشهير به، لم نرض بها، وأي مغربي يعلم أن التنازل لا يتم بتلك الطريقة.. في كل يوم يتم التنازل في العديد من القضايا المعروضة أمام المحاكم، لكنه لا يتم بتلك البروباكاندا.. إذن ربما هناك أمور غير صافية خلف ذلك التنازل. وقد صرحتُ في ذلك الحين بأن هذا التنازل هو (تنازل ملغوم)، وبالفعل يوم الجلسة أمام المحكمة تم الرجوع عنه.. وفيما يخص إمكانية الرجوع عن التنازل رغم تقديمه أمام هيئة المحكمة، في القضايا الجنحية التي تصنف فيها هذه القضية يمكن ذلك، مدام الملف لم يحجز للمداولة، نحن مع المبدأ والمغاربة يقولون "إذا أعطيتك الوعد أو الكلمة أموت فيها ولا أغير موقفي"، تقدَّم دفاع بوطازوت وقال: "نحن نتراجع على التنازل". ومثل هذه المجريات تسجل في محضر رسمي أمام المحكمة. كانت هناك أمور مأمولة من وراء التنازل ربما لم يتم التوصل إليها فتم التراجع وعاد مرة أخرى.

+ لنعد إلى ما قلته بخصوص خطأ "دنيا بوطازوت" بعدم التزامها بالصف، رغم أنها صرحت باحترامها لهذا السلوك في يوم الحادثة وكانت ضحية كسر مزدوج في الأنف. من موقعك كمحامي (رجل قانون) كيف يمكن لك أن تتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الفنانة بوطازوت لم تلتزم بهذا السلوك؟

- في هذه الحالة إذن خولة هي مجنونة، هاجمت "بوطازوت" هكذا، كانت تقف في الصف وارتمت عليها لتضربها برأسها.. هذه ادعاءات واهية لا يقبلها المنطق وبعيدة عن الحقيقة. وأطرح السؤال على من يقول ذلك وعلى بوطازوت مقابل جواب مقنع: لماذا ستفعل خولة ذلك؟ هل "بوطازوت" كلما تحركت أو تجولت في مكان عام يرتمي عليها الناس لضربها؟ الله أعلم.. ليس هناك دخان دون نار. لنفترض أن ردة فعل خولة في نقد سلوك "بوطازوت" كانت غير محسوبة، فهذا إذن سلوك غير سوي نتج عن سلوك آخر غير سوي أيضا وهي مسألة نفسية، الفعل الإيجابي يقابله الفعل الإيجابي والفعل السلبي يقابله الفعل السلبي.

+ أنت الآن تغير البدلة المهنية من جبة المحامي إلى وزرة الخبير النفسي.. كيف تفسر هذا الأمر؟

- هذا هو دور المحامي.. وأظن أن المحامي إذا لم يكن ملما بالشق النفسي والحقوقي إلى جانب المعطى القانوني، سيصعب عليه التعامل مع معطيات الملف.. الملف كان يروج في فضاءين: فضاء الرأي العام، وفضاء المحكمة، وهذا أمر عادي، لأن القضاء عندنا لا يتأثر بالرأي العام، لكن يحلل الوقائع المعروضة أمامه.. كان يهمني فضاء الرأي العام، لأن خولة من عائلة فقيرة.. كان على دنيا بوطازوت اللجوء للمحكمة وأن لا تؤلب الرأي العام ضد خولة وعائلتها. وأظن أن "بوطازوت" ستعاتب نفسها كثيرا على مسألة التأثير على مستقبل خولة بخصوص عدم نظافة سجلها العدلي بعد الحكم النهائي.

+ بحكم أن المحامي مطالب بالعناية بالملف وغير مطالب بالنتيجة. المحكمة أدانت "خولة" بشهر موقوف التنفيذ، لو كنت تنوب عن "دنيا بوطازوت" لكنت راضيا على الحكم، أليس كذلك؟

- ليس لي أي مشكل شخصي مع الفنانة "بوطازوت"، لو كنت أنوب عنها وتعرضت للظلم سأدافع عنها أيضا بنفس الطريقة، كلنا سواسية.. مهنة المحاماة هي مهنة الدفاع عن المواطنين أمام القضاء في إطار المحاكمة العادلة، وأنا أحترم قرار المحكمة، لكن أتخذ كافة الترتيبات التي من شأنها إحقاق الحق وإنصاف موكلي سواء أدين أو لم يدان.. ما حز في نفسي في القضية هو أن من ساهموا في الصلح بتلك الطريقة لم يحترموا السرية، وقاموا بالتشهير بالصلح، ولم يصونوا كرامة خولة وأبيها.. كان عليهم أن يحرسوا على أن يقدم الاعتذار لـ "بوطازوت" بشكل لا يجرح أو يسيء لأي مغربي تضامن مع ابنته خولة وأن لا يسيروا في منحى تصوير الاعتذار بتلك الطريقة.. كان عليهم أن يواكبوا الأمر بشكل دقيق وأن يقفوا على تصريحات الأب، لكي يعلن أن بوطازوت وخولة تجمعهما بلد اسمها المغرب، وكلنا مغاربة دون تحقير لأي واحد. الصلح مهم لأنه صدقة والصدقة المستورة أهم.