أتهم ماضيا بعيدا حين وافقتم على الحُكم الجائر ضد سقراط واتهمتموه بالزندقة ، ووقفتم إلى جانب قضاة مغمورين ووعدتم بمطاردة الأحفاد البررة: الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن طفيل وابن ميمون والجابري...
أتهم ماضيا قريبا حين استكثرتم على السوسسيولوجيا بيتا مستقلا و تركتم الخطيبي تائها بين الرواية والغواية ، وملأتم الصفحات بفكر المشارقة وأحكمتم الإغلاق على نوافد التنوير...
أتهم حين جرّبتم فينا المنع حتى أضحى المنع قانونا وصرنا بفضل منعكم منفيين داخل أنفسنا ...منعتم المجلات والكتب واللوحات وصادرتم الأشعار ، وتعاليتم على الهواة ومسحتم من الأرض مسرح المحرومين وأعلامه، حوري الحسين كان شاهدا على المأساة وتيمود وبرشيد و مسكين ومسرح النقد والشهادة ...
أتهم حين استخسرتم فينا مسرحا عميقا و ممتدا في العروق ، مسرحا منا ولنا ، به نحتفل ونُعدل في موازين الغربة والرغبة والذوق ، و أبعدتم الهواة عن مسرحهم وأدخلتموهم في دوامة ، منهم من رَحَلَ عنا ومنهم من أضحى مهرجا والباقي أكلته هموم الحياة...
أتهم حين أشهرتم المسدس في وجه المثقف وقايضتموه بين جواهر التيه ولؤلؤة النسيان ، بين الشيطنة والرهبنة ، بين المدنس والمقدس ، بين الحسابات البنكية والصلوات الخمس ، هل يعقل (قلتم) أن يجتمع المثقفون هكذا دون سياسة ودون ذكر الرحمن ، وخيرتم الباقي بين السجن وسنوات الإحباط...
أتهم
حاضرا امتص وهج الحياة والتَهَمَ الحرف والصوت والذكريات، أتهمكم أيها الأوصياء ماذا فعلتم ؟ أين حرفنا الجميل المرصع فوق المنبر والمزهر والمكسر في شارع الحرية ، أين آباؤنا أين المختار السوسي ومحمد الفاسي وعبد الله كنون ، وأين دعاة الثورة على العمود والقافية أين بنيس وبلبداوي وراجع وبنطلحة ، وأين وعاء الحرف وبحر الغواية وأين الشعراء ؟ أين شكري وزفزاف وبوزفور؟ أين الأغاني الخالدات ؟ الراشدي والسقاط وبنعبد السلام وعامر وبلخياط ؟ أين الحياني والدكالي وبهيجة وما تبقى من الأصوات ؟ أين القمر الأحمر وقصائد الملحون ؟ وأين خبأتم آلة العود ؟ أين وهج السبعينيات ؟ الغيوان وجيلالة و لمشاهب ومسناوة ، وأين الهجهوج و حمى الحال والبحث عن المحال ؟ وأين الشامخات؟
أنهيتم عصرا قبل آوانه وصادرتم الصور وأطلقتم العنان لألسن السوء وأصدرتم الأوامر ، لا صوت يعلو اليوم فوق صوت المنابر هكذا أردتم لا فلسفة في البلد ولا ثقافة في البلد ولا فن في البلد، ولا نقد غير رنين الدراهم ، ولا مرآة غير مرآة الأحباب من القبيلة والعشيرة، ولا جمال إلا ما ظهر من جرعات، وما اشتعل فوق فروة الرأس من شيب الزمان ...
أتهم حين صادرتم الصور الجميلة و اللغة البهية وكل علامات الإغراء ، وبلّغتم عن نصوص اقترفها الأدباء و كتبوها دون استشارة الفقهاء ، وأرجعتم الساعة إلى الوراء .
أتهمرساميلكم التي حولت ثقافتنا إلى سلعة ، ومادة للإشتهاء وحولتموها أيضا إلى استهلاك سريع الهضم مثلها مثل قطع الحلوى والمناديل الورقية وحبات صداع الرأس و كل ما ينتهى صلاحيته في المساء.
أتهمإعلامكم الرديء السادي والمتلاشي والذي كلما تقدمت وسائل الاتصال ازداد قدما ، وكلما انفتحت الاجواء تَكلّس وعاد خطوتان إلى الوراء ، أتهم ذاكرته الضعيفة و أحشاءه الخاوية وشكله النمطي المتخلف ، أين إذن ثقافتنا وفننا وأين الوجوه التي احترقت ألما وأعطت بكل سخاء ؟
أتهم وقد أعفيتم الكتاب وسرحتم الممثلين وتخليتم عمّا تبقى من ألوان البلاغة وفنون النظم والكتابة وأسدلتم الستار، بلاهة أن يغترب المثقف في بلاده ، ويُترك الجهل بأرقامه وأعبائه مهددا سلامة الذوق والأداء.
أيها الأوصياء ليس لي ما أقوله كاعتراف في الأرض و في السماء غير حبي الكبير للوطن المتعدد اللغة والهوية والموحد الكامل السليم والمعافى ، ليس لي إلاّ ملكات وهبها لي الله حين أعطاني بكل سخاء عقلا به أدينكم سرا وجهرا ولأتهم حاضرا بشعا أنتم صانعوه ونحن منه أبرياء...