السياق دائم حاكما على فهم الأمور. ومن لم يضع "بنما بايبرز" في سياقها انساق مع تسريباتها. لا يهمنا أن بعض ممن ذُكرت أسماؤهم اعترفوا بذلك وبرروه. ولكن يهمنا لماذا جاءت هذه الوثائق؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ وكيف سيتم استعمالها لإعادة رسم الجغرافية السياسية؟
قبل تسريب أخبار عن القصة الحقيقية لبنما بايبرز كانت رائحة حريرة تصل إلى الخياشيم، خصوصا وأنها صناعة خفيفة مثل ساندويتشات أمريكا.
تبين فيما بعد أن تسريب وثائق شركة موساك فونسيكا جاءت بتمويل من الحكومة الأمريكية والملياردير الأمريكي جورج سوروس.
تسريبات مضادة لتسريبات "بنما بايبرز" توضح أن تسريب البيانات التي تدل على تورط عدد من ممثلي النخبة السياسية على مستوى العالم في الشبكات المالية غير الشرعية العاملة في الملاذات الضريبية، كان في حقيقة الأمر هجوما موجها ضد روسيا وتحديدا ضد رئيسها فلاديمير بوتين.
موقع التسريبات الشهير في تغريدة على تويتر قال "أُعد مشروع رصد الجريمة المنظمة والفساد هجوم "أوراق بنما" ضد بوتين. ويستهدف هذا الهجوم روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة، ويتم تمويلها من وكالة "يوسايد" (وكالة التنمية الدولية الأمريكية) والملياردير الأمريكي سوروس".
الموقع المذكور أكد في تغريدته أن مشروع "أوراق بنما" تلقى تمويلا مباشرا من الحكومة الأمريكية.
وأضاف الموقع "ربما يقوم المشروع الأمريكي لرصد الجريمة المنظمة والفساد بعمل جيد، لكن حصوله على تمويل مباشر من الحكومة الأمريكية لشن هجوم "أوراق بنما" على بوتين، يثير شكوكا حول نزاهته".
من كل ما سبق نخلص إلى نتيجة هو أن الادعاء بأن الصحافة الاستقصائية قادرة على فضح الرأسمال العالمي هو مجرد زعم لا دليل عليه. فالاتحاد الذي يقف وراء الوثائق تأسس سنة 1997 بواشنطن. كما أن العديد من المشتغلين به هم من قدماء الديبلوماسية الأمريكية ومن عناصر المخابرات سابقا.
لقد تم توجيه الإعلام الغربي نحو روسيا. فالغرض هو بوتين الذي أظهر عزما على النهوض بروسيا وعودة دروها الجيوسياسي وتقاسم النفوذ مع أمريكا. لقد خرج بوتين منتصرا من الملف السوري، وحقق ما لم تحقق دول الغرب مجتمعة ومعها دول الخليج ومصاريفها الضخمة.
خروج بوتين منتصرا أزعج الأمريكان، ولهذا أخرجوا هذه الوثائق للتأثير على الانتخابات المقبلة في بلد القيصر.
الوثائق لا يوجد فيها أمريكي واحد. الدولة التي تم تشييدها على المصلحة حتى أنها لم تعرف فلسفة غير البراجماتية لا يوجد فيها شخص واحد ولا شركة واحدة في جنة الضرائب. هم موجودون بكثرة وبما أنهم هم من مول التسريبات فإن الاستقصائيين لم يروا وثيقة واحدة تهم أمريكيا.