في لقاء جمعني بدبلوماسي غربي بجنيف على هامش دورة حقوق الإنسان، وكان موضوع لقائنا هو تعامل المغرب مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان، طرحت عليه سؤالا: «لماذا أنتم كدول غربية تتناوبون على المغرب لوحده بحرص كل دولة منكم على تمويل وتجييش الجمعيات الحقوقية لزيارته وتعبئة الوفود لفحص «الأوضاع الحقوقية» بالمغرب؟»
كنت أتوقع أن يجيبني محاوري بأن السبب يعود إلى كون المغرب تحول إلى مجزرة لإبادة السكان (مثل رواندا وبوروندي وبورما وصربيا) أو أن المغرب بلد «اللادولة» مثل الصومال أو أفغانستان أو بلد المشانق حيث الإعدامات بالجملة مثل إيران أو بلد الاختفاءات القسرية لحوالي 120 ألف مواطن مثل الجزائر (ضحايا العشرية السوداء)، فإذا بمحاوري يقول لي بأن السبب يعود إلى أن المغرب «هو البلد الوحيد المنفتح والمستقر»! وأضاف: «إن الجزائر دولة منغلقة وتونس مضطربة وليبيا متحللة ومصر تائهة في شبه حرب أهلية، واليمن منقسم كعادته ولبنان توزع ترابه بين طوائفه وملله ولا يتوفر على حكومة، وسوريا أضحت مجرد أطلال عقب الدمار الذي لحق بها، وفلسطين تحت الاحتلال والعراق غارق في الدماء بين العشائر والقبائل والسودان لم تدمل جراحه بعد بتر جنوبه ودول الخليج «ترقد» على حقول الغاز والبترول لا تقوى جهة ما على إزعاجها. إذن لم يبق لنا سوى المغرب الذي يتميز بالاستقرار وبالانفتاح السياسي لكي نخضعه للاختبار وهل هو مؤهل للإدماج والتفاعل».
يا سلام على التبرير! فلو كنا في عهد سنوات الرصاص لتم «هضم» هذا التحرش الغربي بالمغرب في المجال الحقوقي، لكن والمغرب قد دك السجون السرية وهدم المعتقلات الخفية وكشف عن المقابر المنسية وصادق على معظم المعاهدات الدولية وانخرط في جل البروتوكولات الملحقة بالاتفاقيات الأممية، فإن استمرار التعامل مع المغرب وكأنه «كوريا الشمالية»، فإن الأمر فيه «إن». والمؤسف أن النخب المغربية: حكومية وحزبية وحقوقية وبرلمانية، «دازت عليها الصابونة» من حيث لا تدري، بحكم أن السبب في هذا التسونامي من البعثات الحقوقية الدولية للمغرب لا يرتبط بكون المغرب صادق على معاهدات تتضمن ميكانيزمات المراقبة فقط (وإلا فهاهي الولايات المتحدة وإسبانيا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول صادقت على معاهدات دون أن تخضع للمراقبة) بل لكون الرئيس المكلف بتتبع الآليات الخاصة بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف هو الجزائري كريم غزراوي الذي يستغل منصبه السامي لإصدار «الفتاوي» لكل الجمعيات والمنظمات التي تتقدم بالشكاوي ضد المغرب. إذ لما تقدم شكاية (ولو كانت تافهة وبدون سند، خاصة من طرف الانفصاليين) فإنه (أي الجزائري كريم غزراوي) يحرص على توليد شكايات عديدة من رحم الشكاية الواحدة عبر «الإفتاء» بتوجيه واحدة لمجموعة الاختفاء القسري وثانية لمجموعة الوقاية من التعذيب وثالثة لمجموعة الاحتجاز التعسفي ورابعة للمقرر الخاص بحرية التجمع وهكذا دواليك. وهو ما يصطلح عليه في الأدبيات الأممية بجنيف بـ «الشكاية الموحدة» أي (COMMUNICATION GROUPEE).
وهنا الخطورة، إذ أظهرت الزيارة التي قامت بها «الوطن الآن» إلى جنيف في منتصف مارس الماضي، أن المسؤول الجزائري (الموظف السامي بجنيف بالمفوضية الأممية) يجزئ شكاية واحدة إلى عدة شكايات ويكثر منها حتى يوحي للرأي العام العالمي أن المغرب بلد بدون قدرة على تأمين حقوق الإنسان لمواطنيه وغير قادر على تأمين الأمن العام للسكان في كامل التراب الوطني. وهو ما يعني «بالعربية تاعرابت» تمهيد الرأي العام الدولي لقبول فكرة تدخل الأمم المتحدة لتأمين حقوق الإنسان بالمغرب، أو على الأقل بالأقاليم الجنوبية.
والأخطر أن المنظمات الدولية الأخرى إما أن جزائريا يكون مسؤولا عنها (مثل مؤسسة REMDH) التي يسيرها المحامي توبيانا ذو الأصل الجزائري أو تكون ممولة ومخترقة من طرف النظام الجزائري، وهو ما سبق للملك محمد السادس أن كشفه في خطاب 6 نونبر 2013 حين فضح التمويل الجزائري الباذخ للعديد من الجمعيات الدولية...
هناك 190 دولة بالأمم المتحدة، وإذا قارنا عدد الإجراءات الخاصة التابعة لمنظومة حقوق الإنسان بجنيف التي زارت المغرب مؤخرا وتلك التي زارت باقي دول المعمور سنصاب بالدهشة. إذ عرف المغرب مؤخرا شلالا من الإجراءات بلغت في المجموع 11 زيارة أممية منها ستة إجراءات خاصة في السنوات الخمس الأخيرة.
وهو عدد لم تشهده إسرائيل التي تبيد الفلسطينيين ولا بورما التي ترتكب المجازر الجماعية ضد المسلمين ولا الجزائر التي تحولت إلى محمية عسكرية لسحق كل المعارضين ولا الدول الأوربية التي تداس فيها حقوق المهاجرين (العرب والمسلمين خصوصا) ولا الولايات المتحدة التي يتساقط فيها السود يوميا برصاص البوليس العنصري.
إن المغرب عرف الغزو والاحتلال والاستعمار والمجاعات والسيبة وتغلب على كل هذه المحن، ومن العارأن تبقى بلادنا رهينة توظيف حقير لحقوق الإنسان من طرف «بيدق الجزائر» المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بجنيف دون أن تصحو العقول وتتفطن الأذهان وتدرك الألباب أعمال «السخرة» التي يقوم بها «المجنّد» (كريم غزراوي) وأمثاله من الدبلوماسيين الجزائريين الذين يلبسون عباءة حقوق الإنسان، وتحولوا إلى «سفراء» لجنيرالات الجزائر و«عملاء» للمخابرات وظيفتهم وضع الكوابح أمام قطار المغرب الفائق السرعة!!